دار أقال الله عثرة أهلها ... فتبربروا وتغربوا وتمصروا
في كل ناحية فريق منهم ... متفطر لفراقها متحير
عهدي بها والشمل فيها جامع ... من أهلها والعيش فيها أخضر
ورياح زهرتها تفوح عليهم ... بروائح يفتر منها العنبر
يا طيبهم بقصورها وخدورها ... وبدورها بقصورها تتخدر
والقصر قصر بني أمية وافر ... من كل أمر والخلافة أوفر
والزاهدية بالمراكب تزهر ... والعامرية بالكواكب تعمر
والجامع الأعلى يغص بكل من ... يتلو ويسمع ما يشاء وينظر
مسالك الأسواق تشهد أنها ... لا يستقل بسالكها المحشر
يا جنة عصفت بها وبأهلها ... ريح النوى فتدمرت وتدمروا
آسى عليك من الممات وحق لي ... إذ نزل بك في حياتك نفخر ورثاها ابن حزم نثرا وشعرا حين وقف على منازل أهله ورآها: " وقد طمست أعلامها وخفيت معاهدها وغيرها البلى فصارت صحارى مجدبة بعد العمران وفيافي موحشة بعد الأنس "، فمن شعره فيها (١) :
سلام على دار رحلنا وغودرت ... خلاء من الأهلين موحشة قفرا
تراها كأن لم تغن بالأمس بلقعا ... ولا عمرت من أهلها قبلنا دهرا
فيا دار لم يقفرك منا اختيارنا ... ولو أننا نستطيع كنت لنا قبرا
ولكن أقدارا من الله أنفذت ... تدمرنا طوعا لما حل أو قهرا
فيا خير دار قد تركت حميدة ... سقتك الغوادي ما أجل وما أسرى
ويا دهرنا فيها متى أنت عائد ... فنحمد منك العود ان عدت والكرا
سأندب ذاك العهد ما قامت الخضرا ... على الناس سقفا بنا الغبرا
(١) أعمال الأعلام: ١٠٧