للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

براتب مقرر (١) وكان الشعراء قبيل الفتنة وفي أثنائها على حال سيئة، ولا ابلغ من وصف ابن حيان لحالهم حين جاء سليمان المستعين إذ يقول: " واغتنمته شعراء العامرية والدولة الأموية وقد نسجت على أفواههم ومحاربهم العناكب أيام الحرب والفتنة، واشتدت فاقتهم، وجمعت طباعهم، وكانوا كالبواة الفذة الجياع، انقضت لفرط الضرورة على الجرادة، فلم يبل صداهم، ولا سد خلتهم لاشتغاله بشأنه، واشتداد حاجة سلطانه " (٢) . واصبح الشعراء موالي كل من تولى سلطة، يمجدون اليوم هذا، ثم يمجدون غدا قاهره، رغدوا جوابين على أبواب أولئك الأمراء أمثال منذر وخيران ومظفر ومبارك، وأصبحت مدائحهم جزافا من القول في سبيل القوت. ولم تعد هناك انتصارات المنصور أو المظفر ليتغنوا بها، فانصرفوا إلى ذكر المكايد الصغيرة والخلافات الداخلية.

البكاء على قرطبة

والتفت الشعراء إلى معالم قرطبة، فرأوا كيف حالت عن حالها، وخربت دورها، وانقضت معاهد صبوتهم فيها، وانطفأت فيها شمس بني أمية والنجوم العامرية، فندبوها بمراثيهم وممن رثاها الوزير أبو عامر ابن شهيد، فقال (٣) :

ما في الطلول من الأحبة مخبر ... فمن الذي عن حالها نستخبر

لا تسألن سوى الفراق فأنه ... ينبيك عنهم أنجدوا أم أغوروا ويصف حال أهلها فيقول:

فلمثل قرطبة يقل بكاء من ... يبكي بعين دمعها متفجر


(١) الصلة: ٢٩٨ وما بعدها.
(٢) أعمال الأعلام: ١٢٢
(٣) أعمال الأعلام: ١٠٥

<<  <   >  >>