أمراً صعبا، ويشترط أن يكون تلامذته من أهل النجابة والمثابرة، وحد هؤلاء عنده قابلية الطبع، وطبع الإنسان متركب من نفس وجسم فغلبه الأولى على الثاني تجعل المرء مطبوعا روحانيا، وغلبة الجسم على النفس تضيق الفرصة في تعلم البيان. وكل امرئ محتاج في تعلم البيان إلى شيئين: الطبيعة والآلة، وقد تكون الآلة متيسرة؟ كما هي عند المؤدبين - فإذا اختلت الطبيعة ظهر الاختلال في اصل البيان.
وها هنا مقياس للروحانية التي يفترضها ابن شهيد، وهو ان كل ما يصدر عنها يكون موشحا بالحسن وان يكن مبنيا على غرابة بل هذه هي الغرابة بعينها أي " أن يتركب الحسن من غير حسن " كقول امرئ القيس:
تنورتها من اذرعات واهلها ... بيثرب أدنى دارها نظر عالي وكأن ابن شهيد ينظر هنا إلى حسن التأليف والتعبير، وهذا؟ في رأيه - يعتمد على القرابة بين الحروف، والمناسبة بين الكلمات، فإذا راعى الأديب هذه الصلات فانه يستطيع ان يأتي بشعر حسن المنظر والمخبر، وعليه ألا يتهيب استعمال الغريب من الألفاظ، وإنما يتجافى عن الغريب النافر، فإذا احسن وضع الغريب في مواضعه اللائقة به تم به الكلام، وكل هذا محتاج إلى تذوق ودربة. ولا يحسبن أحد ان تعليم البيان هذا كله يصبح سهلا، إذ المدار على الفهم بعد الاستعداد النفسي هند المتعلم، هذا ان يكون المعلم نفسه قادرا على " تفجير صفاة غيره " وذلك بفهمه التبيين والتبين وان يكون واعيا بمدى الاستعداد عند كل تلميذ من تلامذته، عارفا بخصائص كل واحد فيهم.
ويعتقد ابن شهيد أن الأنموذج الواحد من الشعر أو من النثر لا يصلح ان يتخذ لكل العصور فأهل كل فترة يهشون إلى نوع من الأنواع. ومن الملاحظ أن الصنعة تزايدت على مر العصور حتى إذا كان عصر ابن شهيد، اصبح الناس يتعشقون التجنيس كثيرا ويمجون