للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

كل ما عداه، أما هو فيرى ضرورة الاعتدال والتوسط والأخذ من طريقة العرب وطريقة المحدثين معا دون انحياز إلى إحداهما. ويجعل المنشئين أصنافا ثلاثة ومن خرج عن نطاقهم لا يعد أديبا:

الأول: الذين يستطيعون توليد المعاني وابتكارها ثم يعجزهم الشكل فيسيئون التعبير ويقصرون دون إدراك " بهاء البهجة ".

الثاني: أصحاب الحدة البيانية الذين يبنون الكلام على الاندفاع والانصباب وهم يلائمون بين الفكرة الصعبة ومائية الشكل ويجترئون على ضرب هذه بتلك، ويخلقون من امتزاجهما شيئا عجبا.

الثالث: صنف ماهر في التلفيق والتلزيق، ذو صنعة مقبولة وقريحة متحيلة تغطي على نقص الفكرة وتسد الخلل.

ولا ريب في ان ابن شهيد وضع هذه القواعد والمقاييس من نظره إلى قدرته وطريقته، وهو يخرج كثيرا عن حدود الناقد النزيه إلى السخرية والذم وبخاصة انه منقوص الحظ في عصره، فيغمز هذا وذاك، ويعيب أهل بلده جملة بقوله " ولكني عدمت ببلدي فرسان الكلام، ودهيت بغباوة أهل الزمان " (١) .

ابن حزم والنقد

وقد كانت أسباب النقد النزيه متوفرة عند ابن حزم اكثر من توفرها عند ابن شهيد، لتحريه وجه العدالة ودقته في الحكم وسعة اطلاعه وغزارة معارفه، الا ان ثمة أمرين حدا من وجوده في هذه الناحية: الاول، مذهبه في الشعر جملة، فهو وان كان يميز فيه الجيد من الرديء، الا انه لا يضع له حدودا، فالشعر لديه يستطيع أن


(١) الذخيرة ١/١: ٢٢٩

<<  <   >  >>