يستوعب كل شيء، حتى شرح مذهبه الفقهي، وتعاليمه الخلقية، ومثل هذا الاتجاه لا يمكنه من تبين الحدود الجمالية له. والثاني: ان اشتغاله بالفقه والحديث والجدل والانساب والتاريخ، ابعده عن دائرة الأدب، وخضع في نظرته للشعر إلى عوامل التوجيه الاخلاقي، والى فلسفته الدينية، التي كانت تقوم العلوم بحسب تقريبها لصاحبها من الله، فذلك هو مقياسه في النظرة إلى الأشياء والأعمال.
وكان من اثر العامل الأول أن اصبح ابن حزم غير جاد في بناء منهج نقدي واضح، كالذي فعله ابن شهيد، بل كان يتلقى بعض النظرات النقدية بالقبول، دون محاكمتها، مثال ذلك: إيمانه بان الإكثار من عدد التشبيهات في البيت الواحد أمر يستحق أن يعنى به المتفنن، فهو يقول على هذا البيت من شعره:
فكأنها والليل نيران الجوى ... قد أضرمت في فكرتي من حندس " وقع لي في هذه الأبيات تشبيه شيئين بشيئين، وهذا مستغرب في الشعر، ولي ما هو اكمل منه، وهو تشبيه ثلاثة أشياء في بيت واحد وتشبيه أربعة أشياء في بيت واحد؟ الخ "(١)
وكان من اثر العامل الثاني ان اخضع الشعر للمقياس الخلقي، وحكم عليه بغايته ونوع الاستثارة الصادرة عنه. فقال في رسالته مراتب العلوم: " وان كان مع ما ذكرنا رواية شيء من الشعر فلا يكن إلا من الأشعار التي فيها الحكم والخير، كأشعار حسان بن ثابت وكعب ابن مالك، وعبد الله بن رواحة، رضي الله عنهم، وكشعر صالح بن عبد القدوس ونحو فانها نعم العون على تنبيه النفس، وينبغي ان يتجنب من الشعر أربعة اضرب:
أحدهما: الاغزال والرقيق فأنها تحث على الصبابة وتدعو إلى الفتنة