ومع إعجابنا بهذا الكلام الصريح والتقسيم الواضح، نرانا في دهشة لهذا الوضع الذي أحل فيه الشعر، وهذا التقييد الذي الزمه فنونه، ومما يكمل موقف ابن حزم في النقد فقرتان وردتا في كتاب " التقريب لحد المنطق " تحدث فيهما عن البلاغة والشعر فقال في تحديد البلاغة:
" قد تكلم ارسطوطاليس في هذا الباب، وتكلم الناس فيه كثيرا، وقد احكم فيه قدامة بن جعفر الكاتب كتابا حسنا وبلغنا حين تأليفنا هذا (الكتاب) ان صديقنا احمد بن عبد الملك بن شهيد ألف في ذلك كتابا، وهو من المتمكنين من علم البلاغة والأقوياء فيه جدا، وقد كتب إلينا يخبرنا بذلك، إلا اننا لم نر الكتاب بعد، فغنينا بالكتب التي ذكرنا عن الإيغال في الكلام في هذا الشأن، ولكنا نتكلم فيه بإيجاز جامع فنقول، وبالله تعالى نتأيد، البلاغة قد تختلف في اللغات على قدر ما يستحسن أهل كل لغة من مواقع ألفاظها على المعاني التي تتفق في كل لغة، وقد تكون معدودة في البلاغة ألفاظ مستغربة، فإذا كثر استعمالهم لها لم تعد في البلاغة ولا استحسنت، ونقول: البلاغة ما فهمه العامي كفهم الخاصي وكان بلفظ يتنبه له العامي لأنه لا عهد له بمثل نظمه ومعناه؟ وهذا الذي ذكرنا ينقسم قسمين. أحدهما مائل إلى الألفاظ المعهودة عند العامة كبلاغة عمرو بن بحر الجاحظ وقسم مائل إلى الألفاظ غير المعهودة عند العامة كبلاغة الحسن البصري وسهل بن هارون ثم يحدث بينهما قسم ثالث آخذ من كلا الوجهين كبلاغة صاحب ترجمة كليلة ودمنة؟ ابن المقفع كان أو غيره - وأما نظم القرآن فان منزله تعالى منع من القدرة على مثله وحال بين البلغاء وبين المجيء بما يشبهه، وقد كان احدث ابن دراج عندنا نوعا من البلاغة ما بين الخطب