للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لها، وقد طالت علي الغربة، وسئمت الخدمة، ومللت من النعمة فالادالة الادالة " (١) . وقد أعفاه المنصور من الخدمة حسب رغبته، فعاد إلى قرطبة وقد أثرى، إذ كان معه حين عودته أربعمائة ألف دينار ناضة ومائة ألف من ذهب آنية، ومائتان من رقيق الصقلب، ولم يحاسبه المنصور على هذا الثراء، بل انه صرف له فوق ذلك الفي مدي من قمح وشعير مناصفة، لان السعر كان عاليا، وكانت نفقته الشهرية من القمح سبعين مديا ومن الشعير علف ثمانين دابة.

وفي قرطبة اصبح أبو مروان من ندامى المنصور ومستشاريه. وكان من الناحية الثقافية كثير الاهتمام بالتاريخ والخبر واللغة والأشعار، مع سعة روايته للحديث والآثار. وقد ألف كتاب " التاريخ الكبير في الأخبار " ورتبه على السنين؟ بدأ به من عام الجماعة سنة أربعين وانتهى إلى أخبار زمانه (٢) . وأصيب بالنقرس في شيخوخته، فأهداه ابن أبي عامر محفة من خيزران ليحمل فيها، وكان في مرضه يحضر مجالس الانس ويسخفه الطرب فيرقص إذا اخذ منه الشراب، ويرتجل الشعر، ومما ارتجله في بعض تلك المواقف (٣) :

هاك شيخ قاده عذر لكا ... قام في رقصته مستهلكا

لم يطق يرقصها مستثبتا ... فانثنى يرقصها مستمسكا

عاقه من هزها معتدلا ... نقرس أنحى عليه فاتكا

أنا لو كنت كما تعرفني ... قمت إجلالا على رأسي لكا

قهقهة الإبريق مني ضحكا ... ورأى رعشة فبكى وفي شيخوخته كان ما يزال قوي الشهوات، منطلق النفس وراء لذاته، إلا انه نسك في أخريات أيامه، وتوجه إلى الآخرة، وعزف عن


(١) الذخيرة ١/١: ١٦٧
(٢) الصلة: ٣٣٨
(٣) الذخيرة ٤/١: ١٧

<<  <   >  >>