وتشيع هذه الصور السابحة المعتلية في شعره، فتنقله عن الأرض، وتبعده عن القبر، وعن الناس، وهذا الطيران هو الذي طاف به على ديار الجن " وسار كالطائر يجتاب الجو فالجو "، وهذه هي صورة الأديب الحق لديه؟ " كاللقوة في المرقب، سام نظرة قد ضم جناحيه ووقف على مخلبه لا تتاح له جارحة إلا اقتصها ولا تنازله طائرة إلا اختطفها، جرأته كشفرته، وبديهة كفكرته ". ومن ثم تعجبه صور النجوم في حيرتها أو تعلقها وصورة الليل:
تراه كملك الزنج في فرط كبره ... إذا رام مشيا في تبختره أبطا
مطلا على الآفاق والبدر تاجه ... وقد علق الجوزاء في أذنه قرطا فإذا ترك هذه الصور، بقيت الموسيقى العامة في شعره تصور التحدر والاندفاع، مستعينا على ذلك ببعض الجناس، كقوله:
قضت النوى بذياد رجح عينيهم ... ظلما وكان الدهر من أعوانها
زجروا اغترابا من نعيب غرابهم ... وقضوا ببين من مغرد بأنها ويصبح شغفه بالجناس أحيانا ضربا من التكلف خارجا عن حد الاعتدال، كما ان شغفه بالموسيقى الصاخبة يتملكه احيانا فنسى كل ما عداه كما في قوله:
وتكفيري برداء وصل مقرطق ... كتبوا بنفس المسك في كافوره
متلفع بحريره متضمخ ... بعبيره، مترنح بفتوره
وسنان ناولني مدامة طرفه ... فشربتها وسمعت من طنبوره
يدعو بلكنة بربري لم يزل ... يستف بالصحراء حب بريره
متقدم بمضائه متلفع ... بردائه متكلم في عيره ومع ذلك فان وراء هذا الثوب من الصنعة، روحا بدوية، تجعل ابن شهيد اقرب الأندلسيين شبها بشعراء المشرق، الذين ينسجون في عالمهم الحضاري على نماذج الجاهلية وصدر الإسلام، وتحس مثل ذلك في قوله: