وكذلك هاجرت كتب المشارقة إلى الأندلس بكثرة، وكرت رحلة الأندلسيين إلى المشرق في طلب العلم وكان الواحد منهم يشرف بين بني قومه حين يروى عن شيوخ مصر وبغداد وغيرهما من بلدان المشرق. وكتاب ابن الفرضي والصلة والتكملة وما أشبهها معرض لهذه الهجرات الأندلسية على مر الزمن. كما ان فيها صورة لما كان يهاجر من الكتب إلى البلاد الأندلسية تباعا، وتستفيض هذه الناحية حتى نعز على الحصر، وتجد النشاط إلى جمع الكتب المصححة المحررة عاما بين المسلمين في اسبانية، ولم تكن قرطبة وحدها مركزا للمكتبات الكثيرة وان تميزت عما عداها في ذلك بل كانت تلك المكتبات في المدن الأخرى مثل طليطلة واشبيلية وفي القرى الصغيرة أيضاً. وقد ترك ابن خير في فهرسته أيضاً صورة أخرى للكتب التي هاجرت إلى الأندلس، ويحسن بنا هنا أن نشير إلى رسالة ابن حزم التي قارن فيها بين بعض المؤلفات الأندلسية والمشرقية في بعض الفنون، وكلها مما أطلع ووقع في يديه (١) . ولذلك وسمت الحياة الثقافية منذ البدء بالاعتماد على المشرق والتقليد لأهله. لأنه كان أرقى حضارة وأوسع ثقافة، واليه يلفت الأندلسيون في تجارتهم ويرونه منبع العلم والدين وموطن القداسة والحج. وقد تنمو روح المنافسة مع الزمن بين المشرق والمغرب ولكنها لن تستطيع ان تكفل استقلال الأندلس في شؤون الحضارة والأدب بل أنها ساعدت على توسيع دائرة التقليد. وقد حاول المستنصر ثم ابن حزم أن يرسما للأندلس حدودا ثقافية، وان يقفا بها على مستوى المشرق، ولكن تقديس الثقافة والأدب المشرقي ظل حادا ساطعا. ومن الخطأ الكبير ألا يخايلنا عند دراسة الأدب الأندلسي إلا هذا الاستقلال في الشخصية الأندلسية لأننا ندرس أدبا يستند إلى حضارة مشتركة في الشرق والغرب،
(١) انظر عن اهتمام الأندلسيين بالمكتبات مقالة للأستاذ خوليان رييرا بمجلة معهد المخطوطات المجلد ٤ الجزء الأول والثاني.