للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المنطق والفلسفة، فعرض نفسه لهجوم الخصوم، ولكن ابن حزم نفسه أدركه نوع من التدين جعله يقلل من قيمة كل علم لا يقرب المرء من الله تعالى وحث في رسالتيه " التوقيف على شارع النجاة " و " مراتب العلوم " على الانصراف لدراسة الشريعة. ولقي ابن حزم نفسه اضطهادا كثيرا أدى إلى حرق كتبه. ووقع الطلمنكي الفقيه في محنة أخرى (سنة ٤٢٥) إذ شهد عليه خمسة عشر فقيها من فقهاء سرقسطة بانه حروري سفاك للدماء يرى وضع السيف على صالحي المسلمين ويعمل بخلاف السنة ولم ينقذه إلا القاضي ابن فرتون الذي أسقط الشهادات وقمع تلك الجماعة (١) . وكان الحسد بين رجال الدين من الأسباب التي تضيق الحرية العلمية. ومع الزمن تعدى الجدل أهل المذاهب الإسلامية وأصبح يقوم بين علماء المسلمين ورجال الدين من أهل الملل الأخرى.

٩

- ولم تنشأ عند الأندلسيين مدارس خاصة بل ظل المسجد هو المكان المخصص للدراسة. فان لم يكن المسجد، فبيت الأستاذ نفسه. وقد حدثنا ابن بشكوال عن أستاذ كان يقصده الطلبة في داره وهم نيف على أربعين تلميذا، وانهم كانوا يدخلون داره في شهر نونبر ودجنبر وينير في مجلس قد فرش ببسط الصوف مبطنات والحيطان باللبود ووسائد الصوف، وفي وسط المجلس كانون في طول قامة الإنسان مملوءا فحما يأخذ دفئه كل من في المجلس، فإذا فرغ من تدريسهم قدم لهم الموائد عليها ثرائد بلحوم الخرفان بالزيت العذب أو ثرائد اللبن بالسمن أو الزبد (٢) .

وكان تدريس الفقه والحديث والعربية هو الشيء الغالب على جماهير المدرسين والمؤدبين، وهم في تدريسهم يعتمدون الكتاب المشرقي في الغالب،


(١) التكملة: ٣٨٥.
(٢) الصلة ١: ٤١.

<<  <   >  >>