للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فكم قائل أغفلته وهو حاضر ... وأطلب ما عنه تجيء به الكتب

هنالك يدرى ان للعبد قصة ... وان كساد العلم آفته القرب وفي هذه الأبيات تبدو حسرة أبي محمد على إنكار أهل الأندلس لفضله، وتوقعه الرحلة إلى العراق، وهي أماني جاشت في نفسه في لحظة ثم صرفته الأيام عن كل ذلك.

وفي شعر أبي محمد جانب دقيق نسميه " الجانب الباطني " كان يهرب إليه أحيانا من قسوة الظاهر وحدة صلابته، وينقل إليه معاني التنزيه والتوحيد ويتأول الأشياء على غير ظاهرها، حتى كان بعض أصدقائه يسمي قصيدة له " الإدراك المتوهم " وهي التي يقول فيها:

ترى كل ضد به قائما ... فكيف تحد اختلاف المعاني

فيا أيها الجسم لا ذا الجهات ... ويا عرضا ثابتا غير فان

نقضت علينا وجوه الكلام ... فما هو مذ لحت بالمستبان وتجده؟ وهو المتمسك بأشد ألوان التنزيه - يقول:

أمن عالم الأملاك أنت أم انسي ... أبن لي فقد أزرى بتمييزي العي

أرى هيئة إنسية غير أنه ... أذا أعمل التفكير فالجرم علوي

ولا شك عندي انك الروح ساقه ... إلينا مثال في النفوس اتصالي

ولولا وقوع العين في الكون لم نقل ... سوى أنك العقل الرفيع الحقيقي فهو في كل هذا المنزع يذهب إلى التجريد المحض كقوله أيضاً:

كأنما هو توحيد تضيق به ... نفس الكفور فتأبى حين تودعه ومن تأمل هذا اللون من الشعر في موضوع الحب خاصة وجد ان ابن حزم الظاهري المتشدد قد بلغ فيه مشارف التصوف " الباطني "، وكأنما كانت نفسه تأنس بهذه الروحانية الغيبية كلما وجدت قلقا من التشدد في الأخذ بالظاهر، وهو في هذا الجانب الواهم متأثر بطريقة

<<  <   >  >>