للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ضاقت عليك فيه المعذرة، واستبلغ أمير المؤمنين في إنكاره ومعاتبتك عليه فأعيت عليه عنك الحجة، فعرفني أكرمك الله ما العذر الذي أوجب توقفك؟ " فرد أبو إبراهيم بقوله: " قرأت أبقى الله الأمير سيدي هذا الكتاب وفهمته ولم يكن توقفي لنفسي، إنما كان لأمير المؤمنين سيدنا، أبقى الله سلكانه، لعلمي بمذهبه وسكوني إلى تقواه واقتفائه لأثر أسلافه رضوان الله عليهم فانهم يستبقون من هذه الطبقة بقية لا يمتهنونها بما يشينها ولا بما يغض منها ويطرق إلى تنقيصها، يستعدون بها لدينهم ويتزينون بها عند رعاياهم ومن يفد عليهم من فصادهم فلهذا تختلف ولعلمي بمذهبه توقفت ان شاء الله تعالى " (١) .

وكلتا الرسالتين في غاية البساطة والبعد عن التعمل، وقد ظل أمر الكتابة بسيطا لا تحلية فيه حتى أواخر أيام المستنصر وكان السجع يجيء في الرسائل عفوا دون تعمد، حتى مقدمات الكتب كمقدمة قضاة قرطبة للخشني ظلت عارية من السجع إلا فيما ندر. ومن الشاذ في انتحال بعض السجع حينئذ رسالة ليزيد بن طلحة (في خلافة الأمير عبد الله) كتبها إلى أهل قرمونة يحضهم فيها على الطاعة، ومنها: " ان احق ما رجع إليه الغالون وألحق به التالون وآثره المؤمنون وتعاطاه بينهم المسلمون مما ساء وسر ونفع وضر ما اصبح به الشمل ملتئما والأمر منتظما والسيف مغمودا ورواق الأمن ممدودا " (٢) ثم تستمر الرسالة بعد ذلك دون سجع.

تلك هي المرحلة الأولى من الكتابة في هذا العصر. أما المرحلة الثانية فتشغل عهد الدولة العامرية وفترة الفتنة وفيها ظهر أكابر الكتاب الناثرين ومنهم:


(١) النفح ١: ١٧٧
(٢) طبقات الزبيدي: ٢٩٤

<<  <   >  >>