للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بالبلاغة في هذا الشأن، وفضل الكتابة كلما انتحلت طبيعة التوقيعات. ومن أقدم نماذج هذا النوع ما أملاه عبد الرحمن الأول إلى سليمان بن الاعرابي: " أما بعد فدعني من معاريض المعاذير والتعسف عن جادة الطريق، لتمدن يدا إلى الطاعة والاعتصام بحبل الجماعة أو لالقين بنانها على رضف المعصية نكالا بما قدمت يداك، وما الله بظلام للعبيد " (١) . وهذه صورة إنشائية ذات حظ كبير من الفصاحة والقوة، وهي لا تفترق عن بعض أنواع الإنشاء في العصر الأموي بالمشرق. وهذا نموذج آخر كتبه أمية بن زيد كاتب عبد الرحمن إلى بعض عماله يستقصره فيما فرط من عمله: " اما بعد فان يكن التقصير لك مقدما فعند الاكتفاء يكون لك مؤخرا، وقد علمت بما قدمت، فاعتمد على أيهما احببت " (٢) .

وقد اقتضت مثل هذه المناسبات هذا الإيجاز والإيماء والقصد في القول والحدة في الخطاب، غير ان ذلك لم يكن سمة عامة الإنشاء، وفي العهد الذي أصدره الناصر عندما رغب في ان يلقب بالخلافة جانب من التطويل وشيء من الازدواج دون ان تدخله صنعة مقصودة (٣) . وهذا ما نجده أيضاً في كتاب أنشأه الحكم لما كان وليا للعهد بأمر من أبيه إلى المشاور أبي إبراهيم حين تخلف عن حضور الإعذار الذي صنعه الناصر لأولاده، وقد جاء فيه: " بسم الله الرحمن الرحيم؟ حفظك الله وتولاك وسددك ورعاك - لما امتحن امير المؤمنين، مولاي وسيدي؟ ابقاه الله - الأولياء الذين يستعد بهم وجدك متقدما في الولاية متأخرا عن الصلة. على انه قد أنذرك، أبقاه الله، خصوصا للمشاركة في السرور الذي كان عنده، لا اعدمه الله توالي المسرة، ثم أنذرت من قبل إبلاغا في التكرمة، فكان منك على ذلك كله من التخلف ما


(١) ابن عذاري ٢: ٧٦
(٢) المصدر نفسه
(٣) ابن عذاري ٢: ٢٩٧

<<  <   >  >>