للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يطمح إليه من رفعة لشأن الكتابة.

وأكبر ما يميز الكتابة في هذه المرحلة تمييز أصولها وطرائقها وأساليبها وهذا راجع إلى قوة حركة النقد التي وصفناها من قبل، فلم يكن اخذ طرق المشارقة تقليدا فحسي، بل كان مبنيا على فهم لتنوع الأساليب النثرية وإدراك مميزاتها، وقد كان ابن حزم ذا نظر ثاقب في نقد الأساليب وتمييز المذاهب النثرية، كما ان لابن شهيد في هذا الباب بصيرة الناقد الحصيف إذ يقول: " ألا ترى أن الزمان لما دار كيف أحال بعض الرسم الأول في هذا الفن إلى طريقة عبد الحميد وابن المقفع وسهل ابن هارون وغيرهم من أهل البيان؟ ثم دار الزمان دورانا فكانت إحالة أخرى إلى طريقة إبراهيم بن العباس ومحمد بن الزيات وابني وهب؟ ثم دار الزمان فاعترى أهله بالطائف صلف، وبرقة الكلام كلف فكانت إحالة أخرى إلى طريقة البديع وشمس المعالي وأصحابهما " (١) . ويفاضل ابن شهيد بين سهل والجاحظ فيذهب إلى ان سهلا عالم والجاحظ كاتب وانهما إذا ذكر ميدان الكتابة مختلفا الطريقة وكلاهما محسن في بابه (٢) . ولا نزال نسمع من يفضل الإيجاز على الإطالة مثل ابن الحناط الذي يقول: " الإسهاب كلفة والإيجاز حكمة وخواطر الألباب سهام يصاب بها اغراض الكلام " (٣) .

وفي هذه المرحلة يستقل النثر الفني في بعض أحواله عن الكتابة الديوانية، ويتخذ له موضوعات من الحياة تشبه الموضوعات التي يدور حولها الشعر وبخاصة الوصف، وأصبح يعتمد الخيال كما في رسائل ابن شهيد وبعض رسائل ابن الأصغر كرسالة بين السيف والقلم. ويبرز كذلك التنوع في الأساليب بحيث يمكن لقارئ النماذج النثرية أن


(١) الذخيرة ١/١: ٢٠٣
(٢) الذخيرة ١/١: ٢٠٧ - ٢٠٨
(٣) الذخيرة ١/١: ٣٨٥

<<  <   >  >>