للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يفرد لابن دراج ولابن شهيد ولابن زيدون خصائص اسلوبية واضحة.

وفي طليعة هذه الطبقة من الناثرين يقف ابن الجزيري وابن برد الأكبر وابن دراج وهم المتأثرون بإنشاء ابن المقفع وسهل بن هارون والجاحظ، وهم متقاربون في طبيعة الأسلوب بعض التقارب، إلا ان ابن دراج اختط لنفسه طريقة حددها ابن حزم بقوله: " وقد كان احدث ابن دراج عندنا نوعا من البلاغة ما بين الخطب والرسائل " (١) ، وهذا أدق حكم على أسلوب ابن دراج فكأن هذا الكاتب قد مزج الموروث الأندلسي النثر بين بلاغة منذر بن سعيد البلوطي في خطبه وبين أعلى صور الرسائل الأندلسية ومسح كل ذلك ببعض التأثير المشرقي في الصنعة، فكان في أسلوبه خارجا عن المألوف العام من الأساليب في الأندلس وكان يتردد بين السجع والازدواج، ومن امثلة نثره قوله: " يا سيدي ومن أبقاه الله كوكب سعد في سماء مجد، وطائر يمن في أفناء أمن، مرجوا لدفع الأسواء مؤملا في اللأواء، وكنت قد نشأت في معقل من الأمن والوفر، محدقا بسور من الأمن والستر، حتى أرسل الي سلطان الفقر رسولا من نوب الدهر يريد استنزالي إليه وخضوعي بين يديه.. " (٢) .

والفرق بين ابن دراج والجزيري هو ما ينتجه التباعد بين الروية والسرعة، فقد كان ابن دراج مرويا لا ينشيء إلا بعد الجهد والكد، وكان الجزيري على عكس ذلك، وشاهد هذا قول الحميدي: " ان ابن أبي عامر لما فتح شنت ياقب أو غيرها استدعى كاتبيه هذين وأمر بإنشاء كتب الفتح إلى الحضرة فأما ابن الجزيري فقال سمعا وطاعة، وأما ابن دراج فقال: لا يتم لي ذلك في أقل من يومين أو ثلاثة، وكان معروفا بالتنقيح والتجويد والتؤدة " (٣) . ويستطيع القارئ ان يقارن بسهولة بين ما مر من أسلوب


(١) التقريب: ٢٠٥
(٢) الذخيرة ١/١: ٤٥ - ٤٦
(٣) الجذوة: ١٠٤

<<  <   >  >>