للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ابن دراج وبين قول الجزيري في كتاب كتبه عن المنصور يعاقب فيه جنده لنكوصهم عن المحاربة في بعض غزواته: " وكثيرا ما فرط من قولكم أنكم تجهلون قتال المعاقل والحصون وتشتاقون ملاقاة الفحول، فحين جاءكم شانجه Sancho بالأمنية وقاتلكم بالشريطة أنطرتم ما عرفتم ونافرتم ما ألفتم حتى فررتم فرار اليعافير من آساد الغيل وأجفلتم إجفال الرئال من المقتنصين، ولولا رجال منكم رحضوا عنكم العار وحرروا رقابكم من الذل لبرئت من جماعتكم وشملت بالموجدة كافتكم " (١) . وهذا الأسلوب في رأيي أليق بالمقام، ولكن التنوق في الكتابة غلب حتى على الرسائل الديوانية، وابتليت الكتابة الأندلسية بشدة الزخرف بعد هذا العصر حتى أصبح التعبد للمحسنات أمرا بارزا. ويقف ابن برد وسطا بين هذين الكاتبين في اسلوبه فليس لديه استرسال الجزيري ولا حوك ابن دراج وإنما لديه تعمل وازدواج، وما وصلنا من رسائله فكله من نماذج الرسائل الديوانية (٢) .

وجاءت بعد هؤلاء طبقه ابن شهيد ومن أدرك زمان الفتنة وحضر جانبا من العصر التالي، وتميزت طرائق هؤلاء الكتاب، فكان ابن زيدون مكثرا من الاقتباسات والتلميحات والإشارات، يبني الرسالة؟ كالرسالة الهزلية - من محفوظه. وكان ابن حيان خير من يمثل النثر الأندلسي لاعتماده على نفسه في حوك العبارة وبنائها على الحدة والعنف وكثرة التعاطفات وترتيبها على نحو خاص والاغراب في الاشتقاقات. وظل ابن حزم الفقيه يعتمد البساطة في التعبير ويبعد عن الزينة اللفظية والسجع ولا يتهم بتطرية الأسلوب بل يرسله إرسالا دون التفات إلى حلاوة الجرس. أما ابن شهيد فلم يلتزم أسلوبا واحدا فهو حينا يحاكي عبد الحميد وحينا آخر يذكرنا بالجاحظ، غير انه شديد الإعجاب بطريقة البديع وكأنما


(١) اعمال الاعلام: ٧٢
(٢) الذخيرة ١/١: ٨٤ وما بعدها.

<<  <   >  >>