للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

مناطقها كذلك من حيث المناظر وليس فيها ما يفردها عن ديار الأنس، بل ان المشابهة بين كل شاعر وتابعه تجعل المشابهة متوفرة بين بيئتيهما، فهناك مثلا ذات الاكيراح في دار الإنس وهناك واحدة مثلها في ديار الجن.

ولما سأله زهير بمن يريد ان يبدأ عند زيارة تلك الديار أجاب بان الخطباء أولى بالتقديم ولكنه إلى الشعراء أشوق، وهذا حكم عجيب يدل على أن الخطباء في رأي ابن شهيد الناقد مقدمون على الشعراء وكلمة " الخطباء " هذه تعني الناثرين لأنه حين يتقدم للقاء من يسميهم الخطباء يلقى تابعي عبد الحميد وابن المقفع والجاحظ وبديع الزمان.

وقد لقي من الشعراء صاحب امرئ القيس وطرفة بن الخطيم. أما امرؤ القيس؟ أو صاحبه - فظهر على فرس شقراء كأنها تلتهب، وأما صاحب طرفة فانه كان عند منظر طبيعي متميز: " وركضنا حتى انتهينا إلى غيضة شجرها شجران: سام يفوح بهارا وشجر يعبق هنديا وغارا، فرأينا عينا معينة تسيل ويدور ماؤها فلكيا ولا يحول.. فبدا الينا راكب جميل الوجه قد توشح السيف واشتمل عليه كساء خز وبيده خطي ". ويرسم ابن شهيد لكل شاعر صورة حسبما تخيله أو تأثر به من شعره.

وقد اكتفى بمقابلة ثلاثة من شعراء الجاهلية وانتقل من بعدهم إلى لقاء المحدثين ولم يأبه بالوقوف على واحد من شعراء صدر الإسلام والدولة الأموية وأغلب الظن انه لا يقابل إلا من تربطهم به رابطة من محاكاة أو معارضة. وبدأ من المحدثين بأبي تمام فصوره صورة عجيبة حين جعل صاحبه يسكن تحت الماء، وانه إنما يفعل ذلك حياء من التحسن باسم الشعر وهو لا يحسنه، وهذا حكم عجيب. وقد زعم ابن شهيد أن أبا تمام اشتنشده فلم ينشده إجلالا، ثم أنشده فأكثر، وأوصاه أبو تمام وصية جيدة، كما كان يوصي تلميذه البحتري ذات يوم، فقال: " فإذا دعتك

<<  <   >  >>