بدأه صاحب الجاحظ بأن كلامه النثري نظم لأنه مغرى بالسجع فاعتذر عن ذلك بانه لا يجهل فضل المماثلة والمقابلة، ولكنه عدم ببلده فرسان الكلام، وهنا تصدى للنثر الأندلسي والناثرين فعابهم جملة وذكر ان كلامهم ليس لسيبويه فيه عمل ولا للفراهيدي إليه طريق ولا للبيان عليه سمة إنما هي لكنة أعجمية يؤدون بها المعاني تأدية المجوس والنبط. وقد رد على صاحب الجاحظ بكلام فيه مماثلة؟ أي على طريقة الجاحظ - فتنبه لذلك صاحب عبد الحميد ورماه بالتقصير لو أطال، فرد عليه بكلام ماثل به طريقة عبد الحميد أيضاً وقرأ لهم رسالته في الحلواء على طريقة البديع فاستحسنا سجعه فيها.
وبعد ان جاز الامتحان بنجاح امام صاحب عبد الحميد وصاحب الجاحظ انتقل يوميء إلى معاصريه الذين يعيبونه فعد منهم ثلاثة أشدهم عليه أبو القاسم ابن الافليلي، فاستدعى جنيه إلى الحضرة ورسم له صورة كاريكاتيرية:" جني أشمط ربعة وارم الأنف يتظالع في مشيته كاسرا بطرفه وزاويا لأنفه ". وهنا يعرض علينا ما كان بينه وبين الافليلي من خصومه إذ يتهمه ابن الافليلي بقلة الاطلاع ويريد مناظرته في كتاب سيبويه وشرح ابن درستويه فيسخر ابن شهيد من هذه الكتب. فيتصدى له ابن الافليلي زاعما انه أبو البيان أي الصفة التي يدعيها الشهيدي لنفسه، فيفهمه ابن شهيد ان البيان شيء لا يعلمه المؤدبون وانما يعلمه الله الناس وانه لن يكون ذا شأن في البيان إلا حتى يقول نثرا مثل وصف ابن شهيد للبرغوث والثعلب.
ثم يعرض له صاحب بديع الزمان فيقترح عليه ممتحنا ان يصف جارية فيصفها، ويطلب إليه ابن شهيد ان يسمعه البديع وصفه للماء فيقول البديع متحديا: ذاك من العقم (أي يعجز عنه ابن شهيد) فيثور ابن شهيد ويولد للماء وصفا جديدا فيغتاظ صاحب البديع، ويضرب الأرض برجله فتنفرج عن هوة واسعة يتدهدى فيها حتى يغيب