أثره. ويستمر هو في تحدي ابن الافليلي بالشعر بعد النثر فتظهر عليه الكآبة. ويحاول بعض الجن ان يصلح بينهما فيلج ابن شهيد ويزعم ان ابن الافليلي يتعقبه كثيرا ويجعله موضعا للتندر في مجالس الطلب. وأخيرا يقول له صاحب الجاحظ وصاحب عبد الحميد انهما في حيرة من أمره، أيعدانه شاعرا أم خطيبا ثم يجيزانه بأنه شاعر خطيب، ويزدهي أبو عامر حتى يقول في هذا الموقف:" وانفض الجمع والابصار الي ناظرة والأعناق نحوي مائلة ".
ذلك هو القسم الأول الذي وصلنا من هذه الرسالة، وغاية أبي عامر فيه ان يعرض محاسن شعره ونثره مقيسة إلى روائع بعض الجاهليين والمحدثين وكبار الناثرين حتى بديع الزمان، وان يبرز هنالك تميزه على أهل بلده، ويكيد ابن الافليلي الذي كان التهكم به غاية من غايات هذه الرسالة. وقد غفل ابن شهيد أثناء ذلك عن كثير من مقتضيات الحال، فلا نراه الا على ظهر فرسه يقابل هذا أو ذاك فلا هو يستريح ولا يشعر بشيء من الظمأ، ولا يدعى إلى طعام أو شرب (ولعل ديار الجن خالية منهما) وتتمثل له دنيا الجن على نحو ناقص لا تعمل فيه القوة الخيالية الخلافة، بل انه ليصدم أذواقنا بشدة إعجابه بنفسه وازدهائه كلما أنشد قريضا أو قرأ نثرا، وليس في هذا القسم أي شيء من شجرة الفكاهة.
أما القسم الثاني الذي احتفظ به ابن بسام فانه يدور أيضاً حول مشكلة اخذ المعنى الواحد وتداوله بين الشعراء، مثلما كانت المشكلة الأولى تدور حول المقارنة بين المعارضات. ويورد ابن شهيد أولا معنى تداوله كل من الأفوه والنابغة وأبي نواس وصريع وحبيب والمتنبي وذلك هو معنى ان الطير ترافق الممدوح لعلمها بانتصاره فتشبع من لحوم القتلى.
وتدور محاورة حول المفاضلة بين هؤلاء الشعراء في ذلك المعنى عينه، وهنا تتفق قريحة ابن شهيد فيتخذ لنفسه تابعا آخر؟ عدا زهير - يسميه فاتك بن الصقعب ثم يستعرض معنى آخر أورده امرؤ القيس في قوله: