للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أبي تمام من قبول في البيئة الأندلسية، فقد توفر على نقله اثنان من المؤدبين هاجرا إلى المشرق وروياه عن صاحبه واقرءاه بالأندلس وهما عثمان ابن المثنى النحوي (١) ، ومؤمن بن سعيد (٢) وللأول منهما قصة طريفة: فيقال انه اجتمع مع أبي تمام في مركب ببحر القزم فأنشده أبو تمام شعره الذي يقول فيه:

الله أكبر جاء اكبر من مشى ... فتعثرت في كنهه الأوهام وكان هذا البيت مبتدأ الشعر فقال له ابن المثنى: شعر حسن لولا انه لا ابتداء له فوقذت في نفس حبيب وابتدأ الشعر بقوله:

دمن ألم بها فقال سلام ... كم حل عقدة صبره الإلمام ثم أنشده في اليوم الثاني بهذا الابتداء إلى تمامه، فقال له ابن المثنى: أنت أشعر الناس، فمعظم في نفس حبيب، ثن لقيه حبيب في انصرافه وحبيب قد عظم قدره وجل خطره فكان يؤثره ويعرف له فضله، وكان اول من ادخل شعره (٣) وأقرأ أبو عبد الله الغابي ديوان أبي تمام وعنه أخذه أبو العباس الطبيخي (٤) وهذا الثاني شرحه كما شرح شعر صريع الغواني (٥) وأمر الخليفة عبد الرحمن الناصر بانتساخ شعر حبيب وجمع لذلك جماعة من أدباء الأندلس يومئذ، لتحقيق ذلك (٦) ، وإزاء هذه العصبية لأبي تمام وجد أيضاً من يتعصب للبحتري ويدين بتفصيله. وهذا كله ينبئ عما كان للشعر من مقام بين عرب الأندلس، ولم يمض وقت طويل حتى كان الذوق الأندلسي قد ألف هذا النوع من الشعر، وجعله مقياسا للجودة، ولم يألف ما عداه كثيرا، واصبح


(١) طبقات الزبيدي: ٢٨٨ وابن الفرضي ١ك ٣٤٦.
(٢) المغرب ١: ١٣٢.
(٣) التكملة: ١٠ - ١١.
(٤) طبقات الزبيدي: ٣١٥.
(٥) المصدر السابق: ٣٢٩ وابن الفرضي ٢: ١٥٩.
(٦) طبقات الزبيدي: ٣٠٦ - ٣٠٧.

<<  <   >  >>