للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وبخاصة أن صاعدا وقع بين تلامذة أبي علي ومحبيه وعارفي فضله، ولذلك " دفعوه بالجملة عن العلم باللغة وأبعدوه عن الثقة في علمه وعقله ودينه، ولذلك ما رضيه أحد من أهلها أيام دخوله إليها ولا رأوه أهلا للأخذ عنه والاقتدار به " (١) ، ولم يخفق صاعد في تلمس دنياه، ولكنه أخفق من الناحية اللغوية، وفي محاولته أن يحاكي كتاب النوادر للقالي، ومن هذا الوجه اتهم بالكذب، ولم يصحح القرطبيون كلمة واحدة مما ضمنه كتاب النصوص، ومن يتتبع النوادر التي تقال عن كذبه يجدها منسوجة على غرار واحد لتدل على الجهل باللغة وعلى دعوى العلم (٢) . ولا تخلوا المسألة من قياس النادرة على النادرة، ولكن من المستبعد أن نصدق احتفاء المنصور بأمره بعد ان يتكرر منه الكذب مرارا، ألا أن سكون صاعد قد عرف ذلك وجرى فيه مجرى التندر، ليسر صاحبه، ولقد حاول الأندلسيون أن يدعوا عليه سرقة الشعر، فما أفلحوا في إسقاطه من هذه الناحية، ولكن تهمة السرقة في الشعر لم تفارقه. ومقطع القول في وصفه انه كان " بديع الجواب حاضره طيب المعاشرة فكه المجالسة ممتعا محسنا للسؤال حاذقا في استخراج الأموال " (٣) ، وقد عرف المنصور حسن ندامته فأضافه إلى مجلس الندماء، وكتب؟ عدا النصوص - اثنين من كتب الأسمار وهما أشبه بطريقته وقوة خياله وأولهما " كتاب الهجفجف بن غدقان بن بثربي مع الخنوت بنت مخرمة ابن انيف " والثاني " كتاب الجواس بن قعطل المذحجي مع ابنة عمه عفراء "، وكان المنصور شديد الشغف بالكتاب الثاني حتى رتب له من يخرجه أمامه في كل ليلة (٤) .

ويبدو ان المنصور كان يجد ارتياحا في قراءة كتب الأسمار وانه كان يعجب


(١) من كلام ابن حيان في الذخيرة ٤/١: ٢ - ٣.
(٢) أمثلة ذلك منثورة في الذخيرة، والنفح والجذوة في ترجمة صاعد.
(٣) الذخيرة ٤/١: ١٦.
(٤) الجذوة: ٢٢٣.

<<  <   >  >>