للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وتدل هذه الحكايات على توفر الروح الفكاهية، ولكن يبدو ان الشعر كان من أقل مجالاتها، وان العبث كان ينقلب إلى سباب إذا وضع في قالب شعري.

غير ان الشعر الأندلسي في هذه الفترة كان مستغرقا قس شؤون الدولة استغراقا بعيد المدى فهو يسجل انتصاراتها في الخارج والداخل، ومن نظر إليه في مجموعه لم يخطئ رؤية مظاهر كبرى نجملها فيما يلي، محاولين الاجتزاء ببعض الأمثلة دون تحليلها، لئلا يخرج بنا الموضوع إلى الاستطراد: وهذه هي أهم المظاهر في الشعر:

١ - الشعر في الطبقات العليا

فلقد كان كثير من الحكام الأمويين والأمراء بالأندلس شعراء ومنهم المتفوق المكثر ومنهم المقل، ولكنك قلما تجد من بين الأفراد المشهورين من لا يمارس قرض الشعر، ابتداء من عبد الرحمن الداخل حتى آخر العهد الأموي. ويعد كتاب " الحلة السيراء " معرضا واسعا لهذا النشاط، وقد فعل مثل ذلك ابن فرج؟ من قبل - في كتاب " الحدائق "، ومر بنا ان الحكم المستنصر قد طلب إلى أحدهم أن يؤلف كتابا في شعر الأمويين بالمشرق والأندلس، وزعم ابن فرج بعد ان أورد جملة من أشعار الخلفاء الأموية ان منهم " من يجلون عن الشعر في أقدارهم كما يرتفعون عن أن يروى عنهم أو يؤخذ من أفواههم، وإنما ينبسطون في سرائرهم فليس يظهر عليهم منه إلا الشيء القليل ولعل ما سقط عنا افضل مما سقط إلينا " (١) ، ويبدو أن ابن فرج كان يمهد بهذا للاعتذار عن أمير المؤمنين الناصر وعن قلة ما يعرفه هو من أشعاره.

وتتراوح أشعار هؤلاء الأمراء بين الغزل بجواريهم والشعر الحماسي، ويتميز منهم الشريف الطليق والمستعين، وهذا الثاني كان قبل ان يطمح إلى


(١) الحلة السيراء، الورقة: ٥٩.

<<  <   >  >>