ودخل ابن عبد ربه ذات يوم على الوزير جهور بن الضيف، وكان القحط قد ألح والغيث قد احتبس، واغتنم الناس لذلك. وتحدث المنجمون بتأخير الغيث مدة طويلة، ومن هؤلاء ابن عذراء وأصحابه، فقال ابن عبد ربه للوزير: هذا من أمور الله المغيبة، ورجا الله ان يخلف حساب المنجمين، فما كان الا قليل حتى نزل الماء ليلا، فأفاق ابن عبد ربه وقرب المصباح ودعا بالدواة والقلم وكتب للوزير:
ما قدر الله هو الغالب ... ليس الذي يحسبه الحاسب
قد صدق الله رجاء الورى ... وما رجاء عبده خائب
وأنزل الغيث على راغب ... رحمته إذ قنط الراغب
قل لابن عذراء السخيف الحجى ... زرى عليك الكوكب الثاقب
ما يعلم الشاهد من حكمنا ... كيف بحكم حكمه غائب
فقل لعباس وأشياعه ... كيف ترى قولكم الكاذب
خانكم كيوان في فرسه ... وغركم في لونه الكاتب
فكلكم يكذب في علمه ... وكلكم في أصله كاذب
ما انتم شيء ولا علمكم ... قد ضعف المطلوب والطالب
تغالبون الله في حكمه ... والله لا يغلبه غالب ولم ينفرد ابن عبد ربه بهذا الموقف من الثقافة الجديدة بل شاركه فيه غيره من الشعراء، وكان اكثر هجومهم موجها إلى علم النجوم فمن ذلك قول عيسى بن قزمان:
لو كان عند النجوم السابحات بما ... يجري على الخلق من أبنائهم خبر
لم يحتلل بذراهم ريب حادثة ... بل كان ينجيهم الإنذار والحذر
ما كان ينجل منهم عالم ولدا ... في ساعة ما بها نحس ولا كدر ويقول سعيد بن العاص المرادي:
مستحيل أن تدرك الأوهام ... علم غيب تغيب عنه الأنام
كل من قال إن للنجم حكما ... لم يجز، فاعلمن، عليه السلام