للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

صلته بالزهد المشرقي

لقد كان أهم المحدثين في نظر الأندلسيين هم: أبو نواس وأبو العتاهية وأبو تمام وابن الرومي وابن المعتز، ثم وفد ديوان المتنبي على الأندلس، فلم يلبث ان احدث بعض الأثر الملموس. ونجد في الأشعار الأندلسية من هذه الفترة نزعة زهد واضحة عند ابن أبي زمنين والغزال وابن عبد ربه وأبي بكر الزبيدي وغيرهم، ونحس فيها حقا بشخصية أبي العتاهية وأفكاره ونظراته في الحياة والموت، ولكن هذا الموضوع مشترك بين أناس ينظرون إلى الحياة الدنيا من خلال نظرهم إلى الموت والحياة الخالدة. ومن العسير ان يحكم المرء بان الأندلسيين استعاروا هذا الموضوع من أبي العتاهية أو اقتبسوا تماما فنه الشعري، لأن الزهد نزعة لها أصولها الاجتماعية وليست تجيء كلها اقتباسا، ولكن أثر أبي العتاهية في تقوية النزعة والاتجاه الشعري لا يمكن إنكاره، وإذا شمعنا الزبيدي يقول (١) :

لقد فاز الموفق للصواب ... وعاتب نفسه قبل العتاب

ومن شغل الفؤاد بحب مولى ... يجازى بالجزيل من الثواب

فذاك ينال عوا كعز ... من الدنيا يصير إلى ذهاب

تفكر في الممات فعن قريب ... ينادى بالرحيل إلى الحساب

وقدم ما ترجي النفع منه ... لدار الخلد واعمل بالكتاب

ولا تغتر بالدنيا فعما ... قريب سوف تؤذن بالخراب إذا سمعنا هذا الشعر وجدنا الموضوع والشكل قد اتفقا على النظر معا إلى أبي العتاهية في مثل قوله:

لدوا للموت وابنوا للخراب ... فكلكم يصير إلى تباب وإذا راجعنا قول ابن أبي زمنين (٢) :


(١) يتيمة الدهر ١: ٤١٠.
(٢) المصدر السابق نفسه.

<<  <   >  >>