للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أيها المرء إن دنياك بحر ... طامح موجه فلا تأمننها

وسبيل النجاة فيها مبين ... وهو أخذ الكفاف والقوت منها على أشعار أبي العتاهية أدركنا فرقا بينهما، وان اتفق الموضوع، وهذا الفرق إنما ينتج عن صورة الدنيا عند كليهما، فأبو العتاهية يتصور الدنيا دارا أو ظلا متقلصا أو مرعى أو سرابا وقلما يتصورها بحرا في مثل قوله (١) :

كل أهل الدنيا تعوم على الغفلة منها في غمر بحر عميق ...

يتبارون في السباح فهم من ... بين ناج منهم وبين غريق فالصورة التي يرسمها ابن أبي زمنين للدنيا اقرب إلى ان تكون صورة أندلسية أصيلة من تلك الصور التي عرضها لنا الزبيدي في زهديته السابقة.

وصف الخمر

ومثل ذلك أيضاً الحال في وصف الخمر، إلا ان هذا الموضوع أدق من سابقه وأبين حدودا، وبخاصة وانه عند أبي نواس زعيم هذا الفن ينقسم من حيث شكله في صورتين: الوصف للخمر وما يتصل بها، وقصة المغامرة مع الندمان في زيارة الحان، وفي الأول من هذين القسمين يستأثر أبو نواس بمعان وتوليدات إذا اقتبسها غيره أعلنت عن نفسها، كقول الشريف الطليق (٢) :

رب كاس كست جنح الدجى ... ثوب برد من سناها يققا

قام يسقيها رشا في جفنه ... سنة تورث عيني أرقا

أشرقت في ناصع من كفه ... كشعاع الشمس وافى الفلقا

خفيت للعين حتى خلتها ... تتقي من لحظه ما يتقى

أصبحت شمسا وفوه مغربا ... ويد الساقي المحيي مشرقا


(١) ديوان أبي العتاهية: ١٧١.
(٢) اليتيمة ١: ٤٠٢.

<<  <   >  >>