فإذا ما غربت في فمه ... تركت في الخد منه شفقا فان نورانية هذه الخمر، وسرية " روحانيتها " التي خفيت وهي ظاهرة، ثم هذه الصورة التي تجعل منها شمسا تغرب في الفم بعد ان تطلع من المشرق؟ الذي هو يد الساقي - لا تزال تستمد من شعر أبي نواس الشيء الكثير.
وأبين من هذا حكمنا على قصة المغامرة في الحانات، فهذا اتجاه نواسي لا ينازع فيه صاحبه متقدم عليه، فاذا قرأنا قصيدة يحيى الغزال (١) :
ولما رأيت الشرب أكدت سماؤهم ... تأبطت زقي واحتسبت عنائي
فلما أتيت الحان ناديت ربه ... فهب خفيف الروح نحو ندائي
قليل هجوع العين الا تعلة ... على وجل مني ومن نظرائي
فقلت أذقنيها فلما أذاقني ... طرحت إليه ريطتي وردائي
وقلت أعرني بذلة أستتر بها ... بذلت له فيها طلاق نسائي
فوالله ما برت يميني ولا فت ... له غير أني ضامن بوفائي
وأبت إلى صحبي ولم أك آيبا ... فكل يفديني وحق فدائي وجدنا محاكاة متعمدة لأبي نواس، وان لم تقلل هذه المحاكاة من إجادة يحيى الغزال وتنفرده ببعض الجزئيات.
أثر أبي نواس
وافتتان الأندلسيين بأبي نواس قد يقوي القول بعمق أثره في الشعر الأندلسي، فقد رأينا كيف ان رواياتهم تنسب إلى عباس بن ناصح الرحلة للمشرق من اجل أن يلقاه حين سمع بنجومه، وهذا هو الغزال يحاكيه، ويرى الأندلسيون في محاكاته شيئا لا يقل مستواه عن شعر أبي نواس، ومن الحكايات الدالة على افتتانهم به، قول ابن شبلاق الاشبيلي: رأيت في النوم كأني في مقبرة ذات أزاهير ونواوير، وفيها قبر حواليه الريحان