للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

حق التأمل وجد مبدأ " حب الغرابة " أو الاستطراف هو الدافع القوي فيه، ثم يجيء المبنى بعد ذلك شديد الاعتماد على المطابقة ورسم المتقابلات المتضادة، وبلوغ درجه الإحالة في تصيد المعنى ومتفرعاته وظلاله، والاغراب بالاستعارة وان لم يكن هذا شائعا كثيرا، واستعارة النبت والماء في صور بعيدة عن حياة الطبيعة، وهذه الأخيرة من أشيع الصور عند أبي تمام. ومنها في الشعر الأندلسي قول محمد بن احمد بن قادم (١) :

قف بربع البلى وربع الهموم ... واسفح الدمع فيه سفح الغيوم

غيرت آية صروف الليالي ... ومحاها الغمام محو الرقيم

ساء ما اعتاض بالسحائب من ... نبت المعالي بمنبت القيصوم

فالأسى حين يعدم الشيء محمول ... على قدر جوهر المعلوم فقوله " نبت المعالي " استعارة تمامية، والبيت الأخير أحجية ذهنية كالأشياء التي يعرضها أبو تمام من هذا القبيل. وصورة واحدة هي:تعمم صلع هامات الربى "، قد أصبحت في هذا الشعر الأندلسي تدور دورانا غير قابل. ومن اغرب الأمور ان يكون شعر أبي تمام محركا في وصف الطبيعة الأندلسية، وأنموذجا للأندلسيين في هذا المقام، وبخاصة قصيدته التي يصف فيها الربيع ومطلعها:

رقت حواشي الدهر فهي تمرمر ... وغدا الثرى في حلية يتكسر من ذلك قول أبي بكر ابن نصر الكاتب (٢) :

انظر نسيم الزهر رق فوجهه ... لك عن أسرته السرية يسفر

خضل بريعان الربيع وقد غدا ... للعين وهو من النضارة منظر

وكأنما تلك الرياض عرائس ... ملبوسهن معصفر ومزعفر

أو كالقيان لبسن موشي الحلى ... فلهن من وشي اللباس تبختر فالمشاركة ليست في المعارضة وحسب وإنما هي أيضاً في جزئيات


(١) يتيمة الدهر: ٣٧٧.
(٢) الجذوة: ٣٦٩.

<<  <   >  >>