للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شبه ما يعترضون على وجود القصص العربي القديم

والآن بعد أن فرغنا من موضوع القصص العربي القديم، واتضحت قضيته تمامًا، أحب أن أعود مرة أخرى، ولكن بالتفصيل إلى النظر في شبه ما يعترضون على وجوده، وذلك لأهمية الموضوع، وقد سبق في ردنا على من يقولون إن شكل القصة الغربية يختلف عنه في القصص العربي القديم، أن أوضحنا أن هذا الاعتراض ليس بشيء؛ لأنّ الفن القصصي تتغير أشكاله مع الزمن، والقصص الغربي نفسه في بدايته يختلف عنه الآن من هذه الناحية اختلافًا شديدًا، وليس هذا بمسوغ عند أحد للقول بأن الغرْبَ لم يكن يعرفوا القصة من قبل.

بل إن الشعر العربي نفسه قد تغير الآن تغيرًا هائلًا عن الشعر الذي كان ينظمه العرب القدماء، فهل يصح الزعم بأن العرب لم يعرفوا الشعر في الماضي؟ إن هذا مثل ذاك، بل إن عددًا كبيرًا مما تركه العرب من قصص لا يصمدُ لمحك الشكل الفني الحديث، رغم أن هذا ليس بشرط أبدًا، فلكل زمان، ولكل مكان دولة ورجال، وكثير من النقاد العرب الكبار في عصرنا، قد أثبتوا هذا، وأطالوا القول فيه، والمهم أن يتألف العمل القصصي من أحداث تقع في زمان ومكان معينين وشخصيات، وحوار وسرد وموضوع تدور عليه القصة، وشكل فني محكم يتكون من بداية وعقدة ونهاية.

أما التفصيلات فتختلف من زمن إلى زمن، ومن أمة إلى أمة، تبعًا للتطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، والذوقية وما إلى ذلك، وما يُعجبنا اليوم رُبّما لا يعجب أبناءنا وأحفادنا غدًا؛ مثلما لا يُعجبنا بعض ما خلفه لنا أسلافنا، وهل تجري الحياة على وتيرة واحدة؟ فلماذا يشذ الفن القصصي على

<<  <   >  >>