النظار، المفسر الزاهد، الورع العارف، تقي الدين أبو محمد: نشأ في العلث، وهي قرية من قرى بغداد، وحفظ الكتاب العزيز، وقرأ على عليّ البطائحي، والبرهان ابن الحصري، وغيرهما. وقرأ الفقه على ناصح الإسلام أبي الفتح ابن المني، فصار معيداً عليّ وعلى غيري، وانتفعنا به كثيراً. وسمع الحديث الكثير، وقرأ صحيح مسلم في ثلاثة مجالس. وكان يقرأ كتاب الجمهرة على ابن القصار، فمن سرعة قراءته وفصاحتها قال ابن القصار: هذا طلحة يحفظ هذا الكتاب؟ قالوا: لا. وكان يقرأ الحديث فيبكي، ويتلو القرآن في الصلاة ويبكي. وكان متواضعاً لطيفاً أديباً في مناظرته، لا يسفه على أحد، فقيراً مجرداً، ويرحم الفقراء، ولا يخالط الأغنياء.
حدثني الشيخ أن ناصح الإسلام ابن المني زار رجلاً من أرباب الدنيا، قال: وكنت معه يعتمد على يدي، فرأيت في زاوية الدار صحن حلواء، فاشتهته نفسي، وخرجنا ولم يقدمه لنا، فنمت تلك الليلة، فرأيت في منامي حلواء حضرت إلي، فأكلت منها حتى شبعت، فاصبحت ونفسي لا تطلب الحلواء.
وكان يقرأ عليه القرآن والفقه والحديث في جامع العلث.
١٨ - (١)
طغدي بن ختلغ المسترشدي أبو محمد: المحث الحافظ الفرضي الزاهد، كان قيماً بمعرفة البخاري، برجاله وألفاظ غريبة، وشرح معانيه. قرأته عليه، وسمع بقراءتي جماعة كثيرة. وكان قيماً بأصول السنة ومقالة أصحاب الإمام أحمد، وكان متعبداً معتزلاً للناس. حضر معي فتح البيت المقدس. وقرأ عليه جماعة من أولاد الدمشقيين الحساب والفرائض. وكان لا يفارقني إلى أن حججت سنة تسع وثمانين، ورجعت من الحج فوجدته قد مات، رحمه الله، ودفن في تربة عمي عبد الحق بالجبل.