للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٥ - (١)

عبد الرحمن بن عليّ جمال الدين أبو الفرج ابن الجوزي الواعظ: اجتمع فيه من العلوم ما لم يجتمع في غيره، وكانت مجالسه الوعظية جامعة للحسن والإحسان باجتماع ظراف بغداد ونظاف الناس، وحسن الكلمات المسجعة، والمعاني المودعة في الألفاظ الرائجة، وقراءة القرآن بالأصوات المرجعة والنغمات المطربة، وصيحات الواجدين ودمعات الخاشعين، وإنابة النادمين وذل التائبين، والإحسان بما يفاض على المستمعين، من رحمة أرحم الراحمين. ووعظ وهو ابن عشر سنين إلى أن مات، ولم يشغله عن الاشتغال بالعلم شاغل، ولا لعب ولا لها، ولا سافر إلا إلى مكة، ولقد كان فيه جمال لأهل بغداد خاصة، وللمسلمين عامة، ولمذهب أحمد منه ما لصخرة بيت المقدس. حضرت مجالسه الوعظية بباب بدر عند الخليفة المستضيء، ومجالسه بدرب دينار في مدرسته، ومجالسه بباب الأزج على شاطىء دجلة، وسمعت عليه مناقب الإمام أحمد، وبعثت إليه من دمشق، فنقل سماعي بخطه وسيره إلي، وحضرت معه في دعوتين، فكان طيب النفس على الطعام، وكانت مجالسه أكثر فائدة من مجالسته.

وحدثني طلحة العلثي أن الشيخ كان يقرأ في تلك المدة (أي أثناء نفيه إلى واسط) ما بين المغرب والعشاء ثلاثة أجزاء أو أربعة أجزاء من القرآن، وبقي على ذلك من سنة تسعين إلى سنة خمس وتسعين، فأفرج عنه وقدم إلى بغداد وخرج خلق كثير يوم دخوله لتلقيه، وفرح به أهل بغداد فرحاً زائداً، ونودي له بالجلوس يوم السبت، فصلى الناس الجمعة، وعبروا يأخذون مكانات موضع المجلس عند تربة أم الخليفة، فوقع تلك الليلة مطر كثير ملأ الطرقات، فأحضر في الليل فراشون وروزجارية فنظفوا موضع الجلوس وفرشوا فيه دقاق الحصى (٢) والبواري، ومضى الناس وقت المطر إلى قبو معروف تحت الساباط، حتى سكن المطر، ثم جلس


(١) ذيل طبقات الحنابلة ١: ٤١١، ٤٢٧.
(٢) في الأصل: الجص.

<<  <  ج: ص:  >  >>