فنهض بنفسه فاستقى الماء للتطهير، وما ترك أحداً منا ينوبه في ذلك، ولقد قدمت له نعله يوماً فشق عليه وجعل يقول: أيش هذا؟ مثلك لا نسامحه في هذا.
وسئل عنه الشيخ موفق الدين المقدسي فقال: شيخنا أبو الفتح كان رجلاً صالحاً حسن النية والتعليم، وكانت له بركة في التعليم، قل من قرأ عليه إلا انتفع، وخرج من أصحابه فقهاء كثيرون منهم من ساد. وكان يقنع بالقليل، وربما يكتفي ببعض قرصة، ولم يتزوج. وقرأت عليه القرآن. وكان يحبنا ويجبر قلوبنا، ويظهر منه البشر إذا سمع كلامنا في المسائل. ولما انقطع الحافظ عبد الغني عن الدرس لاشتغاله بالحديث، جاء إلينا، وظن أن الحافظ انقطع لضيق صدره.
٤٨ - (١)
نصر بن محمد ين عليّ الحصري الهمذاني البغدادي أبو الفتوح برهان الدين: سمعت عليه جزءاً في المسجد الحرام. وكان إماماً في علوم القرآن، ومحدثاً حافظاً وعابداً.
قال لي الملك المحسن أحمد بن الملك الناصر صلاح الدين: ما رأيت أعبد من البرهان ابن الحصري، كان يعتمر في رمضان ثلاث عمر في نهاره وثلاث عمر في ليله.
وقال لي شيخنا طلحة العلثي ببغداد سنة أربع أو خمس وسبعين: ما في بغداد مثل برهان ابن الحصري في علم القراءات، ما تقدر تقرأ عليه سورة كاملة من شدة تحريره.
حدث أبو الفتوح ابن الحصري بالكثير ببغداد ومكة، وسمع من خلق كثير من الأئمة والحفاظ وغيرهم. مات بالمهجم من أرض اليمن في شهر ربيع الآخر وقيل في ذي القعدة سنة ثمان عشرة.