وحدثني الحسين بن أريخا قال: كان الإخشيد يوم لقي سيف الدولة في خمسين ألفا من الجبل إلى الجبل، فجاء جاسوس إلى الإخشيد فقال له: إن علي ابن حمدان قد سأل عنك، فقيل له: هو صاحب الخفتان الأسود، فقال: والله لألقين بنفسي عليه، فنزع الإخشيد الخفتان الأسود وأقام غلاما بخفتان أسود، وحمل ابن حمدان يريد صاحب الخفتان الأسود، فخرج عليه الإخشيد من موضع آخر في غلمانه فهزمه.
وحدثني بعض شيوخ دمشق ممن كان الإخشيد يأنس به ويحادثه قال: سألني جماعه وجوه غلمان الإخشيد توبيخ الإخشيد على ما عمله من الصلح والمصاهرة، فقلت له: أيها الإخشيد إيش حملك على مصالحة ابن حمدان ومسالمته ومصاهرته؟ فقال: الغلمان سألوك مساءلتي؟ فقلت: نعم،فقال: عليهم لعنة الله أتراهم يعلمون من الأمر أكثر مما أعلم؟ اعلم أن علي بن حمدان كاتبناه من الرملة فبذلنا له فلم يفعل، وكاتبناه من طبرية فامتنع، ثم سرنا إليه ورزقنا الله تعالى النصر عليه وعلى أصحابه الظفر، فلم ينصرف وخيم حذاءنا بوجه صفيق وقله حياء، فتوقفت عنه، فقال لي الغلمان: دعنا نمضي تلقاءه، ففكرت في قولهم ولم أخل من أحد وجهين: إما أن يهزمنا ويرزق علينا النصر فتكون الفضيحة، وإما أن نرزق عليه النصر فنأخذه فأيش أعمل به؟! هل هو أكثر من أن أنزله في مضرب يشبهه وأنفق عليه ما يصلح له، ثم أجهزه وأرده لأخيه وأهله لأنهم لا يتركونه؟ وأقل ما كان يكفيني له مائتا ألف دينار، ثم لا أطيق غلماني من إذلالهم والشجب والتجني علي بما عملوه، ويطلبون مني الأعمال والولايات، فرأيت أن مسالمته ومصالحته أفضل وأصلح، وأرسلت إليه الحسن بن طاهر أعده بالأموال والخروج من أعماله، فلما رأوا الحسن بن طاهر قد مضى ازدحموا علي يسبوني ويشتموني ويسألون الله الراحة مني. فما أقام الإخشيد بعد هذا إلا سنة وتوفي. ولما فرغ من هذا الصلح سار مجدا إلى دمشق فأقام بها ودبر أموره، ثم بويع المطيع فكتب إلى الإخشيد بالتقليد.
وتكاف الإخشيد وسيف الدولة، وهدأت الفتنة، واستقامت الطريق، وتفرغ سيف الدولة للجهاد آمنا، وركب الإخشيد بدمشق ركبة عظيمة إلى الصيد، وبين