للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وهي الكلام الذي يفهم عنك منه خلاف ما تضمره لاحتماله معنيين، وهذا هو اللحن عند العرب، تقول: لحنت له لحناً، إذا قلت له قولاً يفهمه عنك ويخفى على غيره، وقد لحنه إذا فهمه، وهو الذي أراد مالك بن أسماء بن خارجة بقوله (١) :

وحديثٍ ألذه هو مما ... تشتهيه النفوس يوزن وزنا

منطق صائب وتلحن أحيا ... ناً، وخير الحديث ما كان لحنا أي تعرض به في حديثها وتزويه (٢) عن جهته لئلا يفهمه الحاضرون.

ومن المعارض ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم (٣) أنه حين هاجر إلى المدينة مخفياً لشأنه عن قريش نزل منزلاً، فمر به قوم يؤمون مكة ومعه أبو بكر، فقال لهما القوم: من أين أنتما؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن من ماء من المياه، فقال القوم: هما من بعض مياه العرب. وإنما أراد النبي عليه السلام قول الله تعالى: {فلينظر الإنسان مم خلق، خلق من ماءٍ دافق} (الطارق: ٥) فلحن لهم بذلك ليخفى أمره، وصدق كما قال عليه السلام: إني لأمزح ولا أقول إلا حقاً. وقال لامرأة من العرب (٤) : " إن الجنة لا تدخلها العجز " ففزعت وبكت، أراد النبي عليه السلام قوله تعالى: {إنا أنشأناهن إنشاءً، فجعلناهن أبكاراً، عرباً أتراباً} (الواقعة: ٣٦) ، وأهل الجنة أجمعون/ شبان لا يهرمون (٥) .


(١) انظر ترجمة مالك بن أسماء في الشعر والشعراء: ٤٩٢، وقد ورد البيتان أيضاً في أمالي القالي ١: ٥ والسمط: ١٥، وفيه استطراد بذكر قصص متصلة بالملحن والتعريض. وهما في أمالي المرتضى ١: ١٤، والبيان ١: ١٤٧ ووهم الجاحظ في معنى اللحن هنا، فظنه الخطأ في الإعراب.
(٢) س: فتزيله.
(٣) كرره البكري أيضاً في شرحه على الأمالي (انظر السمط: ٢٤٠) وقد ورد هذا الخبر في سيرة ابن هشام ٢: ٢٦٨ط. الحلبي، وبهامش الروض الأنف ٢: ٥٦.
(٤) ط س: من الأنصار.
(٥) ص ح: لا ينزفون، ومعناه لا يسكرون، واصله من ذهاب العقل.

<<  <   >  >>