حصينة، فارتفع الطمع عنها وأقبل الناس إليها من كل قطر بالأموال، وطمحت بسكانها الآمال [٣ب] واستوطنها جملة من جالية قرطبة القلقة الاستقرار، فألقوا بها عصا التسيار، وأجمل عشرتهم، فبنوا بها المنازل والقصور، واتخذوا البساتين الزاهرة، والرياضات الناضرة، وأجروا خلالها المياه المتدفقة. وسلك مبارك ومظفر سبيل الملوك الجبارين في إشادة البناء والقصور، والتناهي في عليات الأمور، إلى أبعد الغايات، ومنتهى النهايات، بما أبقيا شأنهما حديثا لمن بعدهما. واشتمل هذا الرأي ايضا على جميع أصحابهما، ومن تعلق بهما من وزرائهما وكتابهما، فاحتذوا فعلهما في تفخيم البناء، فهاموا منه في ترهات مضلة، وتسكعوا في أشغال متصلة، لاهين عما كان يومئذ فيه الأمة، كأنهم من الله على عهد لا يخلفه، واتسع الحدس في عظم ذلك الإنفاق، فمنهم من قدرت نفقته على منزله مائة ألف دينار وأقل منها وفوقها، حسب تناهيهم في سروها: من نضار الخشب ورفيع العمد ونفيس المرمر، مجلوبا من مظانه، وجلب إليهم سني الفرش من سائر الحلي والحلل، فنفق سوق المتاع بعقوتهم، وبعثر عن ذخائر الأملاك لقصرهم، وضرب تجارها أوجه الركاب نحوهم، حتى بلغوا من ذلك البغية وفوق ملء فؤاد الأمنية، فما شئت من طرف رائع، ومركب ثقيل، وملبس رفيع جليل، وخادم