موقوف على مجامره، وأن خطيب الفخر محبوس على منابره، وأن حلل المآثر من نسيجه، وأن أفراد المفاخر من تزويجه. وحين كشف الجدال قناعه، ومد الخصام ذراعه وهز الإباء من عطفه، وأشم الأنف من أنفه، قاما يتباريان في المقال، ويتساجلان في الخصال، ويصف كل واحد منهما جلال نفسه، ويذكر فضل ما اجتني من غرسه، ويبأى بمنقبة نافرت السها، ومرتبة ريضة خيسها، ورياسة من ذوائب الجوزاء صادها، ونباهة في صهوة العيوق أفادها.
فقال: ها، الله أكبر! أيها المسائل بدءاص يعقل لسانك، ويحير جنانك، وبديهة تملأ سمعك، وتضيق ذرعك. خير الأقوال الحق، وأحمد السجايا الصدق. والأفضل من فضله الله عز وجل في تنزيله، مقسماً به لرسوله، فقال:{ن. والقلم وما يسطرون}(القلم: ١) ، وقال:{أقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم}(العلق: ٤) فجل من مقسم، وعز من قسم، فما تراني، وقد حللت بين جفن الإيمان وناظره، وجلت بين قلب الإنسان وخاطره - لقد أخذت الفضل برمته، وقدت الفخر بأزمته.
فقال السيف: عدنا من ذكر الطبيعة إلى ذكر الشريعة، ومن وصف الخصلة إلى وصف الملة، لا أسر ولكن أعلن، قيمة كل امرئ ما يحسن. إن عاتقاً حمل نجادي لسعيد، وإن عضداً بات وسادي لسديد، وإن فتى اتخذني دليله لمهدي، وإن امرءاً صيرني رسيله لمفدي؛ يشق مني الدجى بمصباح، ويقابل كل باب بمفتاح. أفصح والبطل قد خرس، وأبتسم والأجل قد عبس؛ أقضي فلا أنصف، وأمضي فلا أصرف؛ أزري بالوفاء، وأهتك اللأمة هتك الرداء.
فقال القلم: نعوذ بالله من الحور بعد الكور، وقبحاً للتحلي بالجور. وتسود ما بيض الصفاء، وتكدر ما أخلص الإخاء، وتوكد أسباب الفتن، وتضرب بقداح الفتن. الحق أبلج، والباطل لجلج، إن فإنها في قدحها لمأمونة الطائر، محسود الباطن والظاهر. أحكم فأعدل، وأشهد فأقبل؛ وترحل عزماتي شرقاً