وترى المشفق عنها ينزوي ... وترى الآنف منها يفتدي ومن بدائعه العقم، المستنزلة للعصم، وما أرى أبا الحسن تجافى عنها غاضاً منها، لكن قدر أعجله، أو زمن لم يسمح له، ولأمر ما عطل هذا الورق، وأحال على الأيام أن تستنطق، فالحمد لله الذي لم يثكلنا بها، ويسرنا لاكتتابها.
رسالة في السيف والقلم وكتبها إلى الموفق أبي الجيش مجاهد، يقول فيها: أما بعد حمد الله بجميع محامده وىلائه، والصلاة على خاتم أنبيائه، فإن التسابق من جوادين سبقا في حلبة، وقضيبين نسقا في تربة؛ والتحاسد من نجمين أنارا في أفق، وسهمين صارا على نسق؛ والتفاخر من زهرتين تفتحتا من كمامة، وبارقتين توضحتا من غمامة، لأحمد وجوه الحسد، وإن كان مذموماً مع الأبد. وربما امتد أحد الجوادين بخطوة، أو خص أحد القضيبين بربوة، أو كان أحد السهمين أنفذ مصيرا، أو راح أحد النجمين ضوأ تنويرا، أو غدت الزهرتين أندى غضارة، أو أمست إحدى البارقتين أسنى إنارة؛ فالمقصر يرتقب تقدماً، وتقارب الحالتين في المجانسة يشب نار المنافسة، وإن حال بينهما قدح النقاد، وقبح تحاسد الأضداد.
وإن السيف والقلم لما كانا مصباحين يهديان إلى القصد، من بات يسري إلى المجد، وسلمين يلحقان بالكواكب، من ارتقى لساميات المراتب، وطريقين يشرعان نهج الشرف لمن تقوى إليه، ويجمعان شمل الفخر لمن تأشب عليه، ووسيلتين يرشفان العلى فم عاشقها، ويبسطان في وصال المنى يد وامقها، وشفيعين لا يؤخر تشفيعهما، ومجمعين لا يفرق تجميعهما، جررا أذيال الخيلاء تفاخراً، وأشما بأنف الكبرياء تنافراً، وادعى كل واحد منهما أن الفوز لقدحه، وأن الوري لقدحه، وأن الدر من أصدافه، وأن البكر من زفافه، وأن البناء من تشييده، وأن الملاء من تعضيده، وأن كباء الثناء