الغمام عن الحدائق، وأرقم في بطون الصحف، مالا يرقم الربيع في الروضة الأنف، من منمنم يختال بين مسهم، ومعضد فوق مسرد.
ولما كثر تعارضهما، وطال تراوضهما، وقابل كل واحد منهما بجمعه جمعاً، وقرع بنبعه نبعاً، ولم ينثن أحد الصارمين كهاماً، ولا ارتد أحد العارضين جهاماً، تبادرا إلى السلم يعقدان لواءهما، وإلى المؤالفة يردان ماءها؛ وقالا إن من القبيح أن تتشتت أهواؤنا، وتتفرق آراؤنا، وقد جمعنا الله في المألف الكريم، وأحلنا بمحل غير ذميم، بأعلى يد نالت آمالها، ووافت المطالب في أوطانها، ولم تقابل باباً مغلقاً إلا قرعته، ولا حجاباً مضلعاً إلا رفعته، ولا جداً عاثراً إلا أقالته، ولا أملاً غائراً إلا أسالته - تلك يد الموفق أبي الجيش مولى المعالي ومسترقها، ومستوجب المكارم ومستحقها، العاقد لواء المجد بذوائب السماك، والمطل بفخره على الأفلاك، والمقدم إذا أحجمت الأبطال، والضاحك إذا بكت الآجال، والساري إلى العلياء إذا أدلج الكرام، والمسهد في الآراء إذا هجد الأنام، والطالب ثأر العديم بجوده، والمشفع النيل بمزيده، والمسعف لميعاده، والمخلف لإيعاده، والمجري في ذاويات الهمم ماء، والمطلع في ظلمات الآمال سناء. فإذا قد عدل بيننا بكمه، يوم وغاه ويوم سلمه، فجاوز بك حد المسالمة، وجاوز بي حد المشارسة، ولم يثنك حتى بلغ مناه، ولم يثنني حتى وافق، ولم يقصر بي عن غاية بلغك إليها، ولم يقدمك إلى مرتبة أخرني عنها، فأجمل رداء نرتديه، وأفضل حذاءٍ نحتذيه، وأهدى سبيل نقصده، وأصفى منهل نرده، مؤالفة نجرر ذيلها، ونميل ميلها، ومعاشرة نتجانى ثمارها، ونتعاطى عقارها، وذنوب نخلي أوطانها، ونهدم بنيانها، ودمن نعفي دمنها، ونرد في أجفانها وسنها.
ثن ثقال القلم: إن مما نبرم به عقدنا وننظم عقدنا، ويستظهر به بعضنا على بعض، إن حالت حال، كان للدهر انتقال، أن نخط كتاباً مصيباً، يكون لنا مناباً وعلينا رقيباً، فقد يدب الدهر بعقاربه، بين المرء وأقاربه، ويسعى بالنميمة، بين الفرعين من الأرومة.
فقال السيف: أنت والبيان، وجرياً والميدان. فقال القلم: إن النثر في ذلك مثل