للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأزينت زينتها، وبلغت غايتها، وأشبع صبغها، وأحكمت الشمس نضجها، دببت إليها بصرامك، ومشيت نحوها الجهر بجرامك، على حين نام السمار، وغفلت الجارة والجار، وأبت بها إيابة الأسد بفريسته، وتحكمت فيها تحكمه في عنيزته.

ولما رأينا على ذلك طلائع الرطب في الأسواق، والجني من بكر النخيل على الأطباق، هزت جوانحنا ذكر العدة، وقلقل أحشاءنا حذر الخيبة، فركضنا الهماليج إلى حرمتك، وجعلنا نشتد طمعاً في لقائك، فلما غشينا الجهة تلقانا فتىً وضاح الجبين، آخذ بالعيون، في وجهه للأدب شاهد، وبين عينيه من الظرف رائد، فقال: بأبي أنتم، وعين الله تكلؤكم حيث كنتم، أراكم ناشدي ضالة أو مستدركي سيب فائت، فاسألوا فربما سقطتم على الخبير، وشاوروا فالمشورة تفتح غلق الأمور. فقلنا له: بآبائنا أنت، إنا لنرجو بيمن لقياك ظفراً بالمطلب، ونجحاً في المذهب. جارك وصديقنا الذي نحن تلقاء منزله، وفي حاشية محله، وعدنا منذ عام بأن يسهم لنا في جنى نخلة لديه، لم تتفقأ تربة هجر عن مثلها، ولا أوت قماري بصرى إلى شكلها، فجئناه لنأكل منها وتطمئن قلوبنا، ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين.

قال الفتى: يا لإخواني في الخيبة، وشركائي في فوت الأمل؛ أنا ساكن المحلة التي منبت هذه النخلة في ساحتها، وقد صرمها منذ خمسة عشر يوماً؛ ولقد كنت قبل صرامها أمنحها نظر العاشق إلى المعشوق، فإذا رأت الطير وهي على سعفها ما أواصل إليها من لحظاتي، وأتابع عليها من زفراتي، رمتني بأفراد من رطبها أحلى من شفاه العذارى. وأنا اليوم أبكي منها ربعاً خالياً، وبعد ثالثة أغدو عنها جالياً.

<<  <  ج: ص:  >  >>