للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيا أبا عبد الله أمجدنا رطباً، نمجدك خطباً. هذا قليل من كثير، وثماد من بحور، وليس يطيب وصفنا نظماً ونثراً لمناقب هذه النخلة إلا بعد اختيارنا منها، وفوز قداحنا بها. إذا أنت فعلت فكلفنا فيها خاصة ما تكلفه عمرو بن بحر الجاحظ في نخل الدنيا عامة نأتك به، ونربي فيه عليه. ولعلك تحب أن تسمع شيئاً من منظوم الكلام في النخل يذيب من جمودك، ويولد عقيم جودك، فالمنظوم خداع بحسنه، مستميل بطنه. أنشد الأصمعي لأبي الغفار الرياحي:

غدت سلمى تعاتبني وقالت ... رأيتك لا تريغ لنا معاشا

فقلت لها أما تكفيك دهم ... إذا أمحلت كن لنا رياشا

بوارك ما يبالين الليالي ... ضربن لها وللأيام جاشا

إذا ما القاريات طلبن مدت ... بأسباب ننال بها انتعاشا

ترى أمطاءها بالبسر هدلاً ... من الألوان ترتعش ارتعاشا هذا وإنا لنخشى أنك أزيد تمادياً في أمرك، وأعظم شحاً على تمرك، إراغة المعاش ومعالجة الاقتيات. فقال لها: في النخل التي رزقنا الله كفاف من العيش كاف، وبلغة من القوت مقنعة. ثم أعظم من أمرها بدنو طعامها في الجدوب، وصبرها لتصرف الليالي والأيام. وما ترى أرسل هذه الأبيات على ألسنتنا إلا شيطان قد شكا إليك عسرة فأنلته بسرة. فهو يحب إبقاءنا عندك، ودفع متطفلي الإخوان عنك؛ فلعن الله الشيطان وأعاذنا منه، وصلى الله على محمد ولا صدنا عنه، فإنه يقول: " نعمت العمة لكم النخلة "، والخطاب لجميع المسلمين. وأنت قد استوليت على عمة من عماتهم، تستبد بخيرها دونهم، وتمسك معروفها عنهم. ونحن رجال من بني أخيها أتينا نعتقها، فإن أنت سويتنا مع نفسك فيما تدر به عليك، وتملأ منه يديك، وإلا نافرناك إلى السلطان، وألبنا عليك أبناء الزمان، ونستغفر الله ونسأله أن يبدلنا من بخلك نوالاً، وبمطلك إعجالا.

ورسالة سماها بالبديعة في تفضيل أهب الشاء على ما يفترض من الوطاء، يقول فيها: ألهمك الله مراشد الأمور، ومنحك صواب التدبير، وعرفك

<<  <  ج: ص:  >  >>