للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من بركة التواضع ما يدخلك في أهله، وقبح إليك من نقيضه الكبر ما يعدل بك عن سبله، وجعل أحب أسباب معايشك إليك، ما عاد قليله بكثير المنفعة عليك. وما دعائي هذا بحق استوجبته بالتسليم لمن إلى الدنيا سبقك، وإلى باكورة التجارب مد يده قبلك، ولكنه عرض لمحاسن الأخلاق عليك، وضراب عن وجه المعاتبة لك، في الهوة التي كانت منك. وإني وإن كان شأو سني أمد، وساعد زمني أشد، وكنت بالأيام أقطن، ولمسائل تجاريبها أفطن، فما احب أن أقتني الخمر بالربا، ولا أن أجزع عن أحمد أخلاق أهل الفتا، فأحتج عليك معنتاً، وأرادك القول مجملا، استطالة بأبهة الكبر عليك، وأنساً إلى مساعدة الجاهلين فيك، على ما عليه اليوم أقوام أساءوا تدبيرهم، وجهلوا مقاديرهم، ورأوا لأنفسهم من الحق ما لم يجعلهم الله له أهلاً، ولا أسلكهم منه حزناً ولا سهلاً. وإن طالت مناقلتنا الكلام، وامتد لنا ميدان الخصام، فلا تحسبني منهم، ولا تنظمني في سلكهم، وانثن من دوحة كلامك على أي غصن شئت، وانعطف من جداول معانيك في أي جزع أحببت.

عبتني - أعزك الله - بارتخاص الأشياء ومقا في الشراء، وقلت: لم تؤثر ذلك إلا اللؤم الخليقة، والهمة الدقيقة، وإلا فالشيء ربما غولي في ثمنه لطول الاستمتاع به، وتعرف نماء فائدته، وربما مالت نفس الحريص إلى الرخيص، فطال بقاؤه معه، وبلغ في التعويض منه أضعاف الذي كان استشنعه، ونامت هناك عين الرأي، واحتجب دونك وجه النظر. وسأفسح للكلام ميداناً، وأنثر عليك من الألفاظ مرجاناً، وأعاطيك من سلاف المعاني أكواساً، وأشمك من روض البيان آساً، وأريك صورة الحسنة في جمالها، وأعطيك الحلية بزمامها، فلعلك أن تكون سلس الرجوع إلى الحق، ملوي ثني العنان عن التمادي في الباطل، فنروح مشكورين: أنت على الاستماع وأنا على الإفهام.

جل ما له عبت، وفيه قلت ورددت، وبه أبدأت وأعدت، [من] إيثاري في الصيف والشتاء، اهب الشاء، ومراوحتي منها في البرد والحر، بين البطن والظهر. وأي بساط منها أدل عل التواضع وأعرب عن القناعة، وأدفأ في السبرة، وألين في المس، وأخف في المحمل، وأمكن للنقلة، وأوفق لمقدار الحاجة، وأجدر بطول المتعة

<<  <  ج: ص:  >  >>