للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأبقى على حدث الدهر، وأغنى عن تكلف التبطين ومراعاة الترفيع، والمحافظ على الطي والنشر - تجد على الابتذال، وتعتق مع الامتهان، ولا تحوجك إلى خياط ينازلك في السوم، ويخجلك أما القوم، تنتح جبينك بعرق الاختلاف إليه، وذل التكرر عليه، وهو تبحبح في دكانه، واشتغل عن سوء مقامك باستطالة محادثة صبيانه. ثم لعل القمل الذي يكون لم يحضرك، فتشمت العدو بنفسك، وتبدي ما كان مستوراً من مالك. هذه بأنفسنا مكتفية، وعن سواها مستغنية، مع صيانة المروءة ووقاية ماء الوجنة. إن قلبتها لبطونها شتوت على وثارة، أو صرفتها لظهورها صفت في لدونة. للعيال فيها - فضلا عنك - على تقادم العهد ووقوع الاستبدال، أكبر عون وأكمل انتفاع، في التمهيد للطفل الصغير، واستعمالها في أبي الخمير في سحرة الليلة القرة. فإن دعتك حاجة نفسك إلى البكور بالغداة، فقد وجدت من ذلك نعم المعين، وإن أدلج إليك ضيف يكرم عليك، لم يكن بحضوره لوقته عندك منفس تقيسه به وتقرنه معه.

وبعد، فإنك لا تتكلف شراءها إلا في وقت تتقرب إلى ربك به، وتستجزل من كريم ثوابه عليه، لأنك تستعملها في أضحيتك التي ترجو بركتها، وتأخذ نسيئة إليها فيها، فتنفلك أجر أخراك، وتعجل لك منفعه دنياك. ثم أن جردتها مع الأعوام فتجرد آخر استئناف منفعة، فهي أيمن قعيد لك، وأغبط كائن معك.

وباب الارتخاص الذي نعيت علي هاهنا، باب قد قامت الدلائل على فضله، وكان له ظهري من نفسه. فغال ولو في درانك عبقر، ورفرف تستر، فلن تبلغ من هذه الفضيلة، ولن تحظى بمثل هذه المزية، مع قلة المؤنة ونزارة الكلفة.

ثم أعلن أنها من معاهد صالحي السلف ورؤساء الحكمة، الذين كانوا بالدنيا أعرف، وعن زخارفها أعزف، جاءت بذلك الأخبار، ونقله الخيار. ولم يجعل الله عز وجل من هذا الجنس أقرب قربان فدى به ابن خليله، وسماه ذبحاً عظيماً في تنزيله، إلا لسر من فضله سبق في علمه.

فإن قلت: لا ترى صنفاً من الناس أكثر افتراشاً لها من المعلمين، وقد قيل إن الثقل لا يرضى عندهم، فكيف تسلم في حسن الاختيار لهم، واختيار المرء قطعة من عقله، وعيار على نقصه أو فضله - قلت لك: الصوف تجمع أنت وكل ذي معرفة على أنه زي

<<  <  ج: ص:  >  >>