مدته الطويلة ثم عاد إلى الأندلس، فقدح ذلك في قلوب الناس لمقدمات سلفت في ذكر هذا الرجل والشك في موته، إذ كان سليمان قاتله قد ترك إبداءه للناس، حسبما فعلته خدمة الملوك قبل فيمن خلعوه، إما استخفافاً من سليمان يومئذ بمن ملك نواصيهم بالقهر، أو ما شاء الله من غلط أصاب المقدار قصده، لقضاء سبق في علم أم الكتاب، فلم تزل طائفة من شيعته تنفي موته، وتروي في ذلك روايات تبعد عن الحقيقة، وتصدر عن نسوان وخصيان من أهل القصر بقرطبة، إلى أن علق ذلك بمن فوقهم من شيع المروانية، فشدوا أواخي خلاصه، وقطعوا على حياته، ووصفوا أنه اضطرب بقرطبة في دولة البرابر ممتهنا نفسه في طلب المعيشة، ثم زعموا بعد حين أنه عبر إلى أرض المشرق، وانساح في ذلك الأفق، وقضى كل المناسك هنالك، ووطئ كل بقعة، ثم كر راجعاً إلى دياره لأمد محدود ولكرة الدولة المروانية، لتحدث على يديه الأنباء البديعة، فدانوا - كما تسمع - بالرجعة دينونة الشيعة، وتاهوا في ذلك تيه تضليل، سخر منهم أهل التحصيل، إلى أن ظهر على زعمهم بالمرية سنة ست وعشرين في أيام زهير الصقلبي.
ولم تزل قصة هذا المشبه بهشام في قلوب الناس دبيب النار في الفحم، فدبر ابن عباد خبره، واهتبل الغرة في ذلك، وأنه أقل ما يجيء له