وعشرين في خبر طويل، وعرض عليه ابن عبد الله يوم أطلقه أن يجتاز على القاضي ابن عباد [ليشركه] في المن عليه بفكه، فأبى من ذلك وقال: مقامي في أسرك أشرف عندي من تحمل منته، فأما انفردت باليد عندي وإلا أبقتني على حالي، فأعجب ابن عبد الله بمقاله، ونافس في إسداء اليد عنده لكمال خصاله، وأكرم تشييعه، فنفذ إلى أبيه يومئذ ببطليوس وقد هذبته محنتهن وتمت أدواته وقويت حنكته، وكان مرجلاً معقلاً أديباً عالماً، فرجع إلى مقاومة ابن عباد.
فلما كان في سنة خمس وعشرين وجه ابن عباد بابنه إسماعيل مع عسكر إلى أرض العدو تحت معاقدة بينه وبين ابن الأفطس، فلما أوغل إسماعيل ببلده يريد أرض غليسية، وابن الأفطس مضمر الغدر به، بادر بجميع رجال ثغره، ورصده في شعب ضيق في طريق قفوله، ولم يعلم ابن عباد بشيء من تدبيره حتى حصل في الأنشوطة، فبادر إسماعيل بالنجاة لنفسه، وأسلم جميع عسكره له، وجرت عليه في مهربه مع جملة من أصحابه شدة لجأ فيها إلى ذبح خيله والاغتذاء بلحومها، ونحا بذمائه إلى مدينة أشبونة آخر عمله من ساحل البحر المحيط، فاصطلم ابن الأفطس عسكره اصطلاماً لم يسمع بمثله، ووقع سرعان العدو من النصارى على كثير منهم فاقتصوهم اقتناصاً، وقتلوا منهم أمة، وكانت حادثة شنيعة بقيت بها عداوتهما إلى آخر وقتهما.