للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شروده عن الجماعة، وإنما كان مذهبه طمس رسم الخلافة من معانها بقرطبة، وتصيرها أسوة إشبيلية في إسنادها إلى رئيس من أهلها، وطرد قريش عن سلطانه، إبطالاً للإمامة ورسوخاً في الخارجية ودفعاً لأمر الله، فقطع سيل قرطبة وشد حصرها، فتمسك الوزراء بحبل بعض البرابر من بني برزيل بجهة شذونة، وكانوا على قديم الأيام جمرة زناتة بأساً وصرامةً، واعتضدوا بهم مدة، واعتضد أيضاً ابن الأفطس بطائفة أخرى منهم، فكان في كل بلدٍ جملة منها سالت عن أهل البلاد سيول بها، وخلطوا الشر بين رؤسائها، واستخرجوا بذلك ما اطمروه من دنانيرهم وخلعهم، وجاحوا ذات أيديهم، وعلموهم كيف تؤكل الكتف، فطال العجب عندنا بقرطبة وغيرها من صعاليك قليلٍ عددهم، منقطع مددهم، اقتسموا قواعد الأرض في وقت معاً، مضربين بين ملوكها، راتعين في كلأها، باقرين عن فلذتها، حلوا محل الملح في الطعام ببأسهم الشديد، وقاموا مقام الفولاذ في الحديد، فلا يقتل الأعداء إلا بهم، ولا تعمر الأرض إلا في جوارهم، فطائفة عند ابن الأفطس تقاوم أصحابها قبل ابن عباد، وطائفة عندنا بقرطبة تحيز أهلها عن الأضداد، فسبحان الذي أظهرهم، ومكن في الأرض لهم، إلى وقت وميعاد.

وكان انطلاق المظفر من يد ابن عبد الله في ربيع الأول من سنة إحدى

<<  <  ج: ص:  >  >>