للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإذا تحدث عنه على البعد حضر، ولبى دعاة أهل مالقة بالخيل بين الجلال واللبود، وبالأبطال أثناء الحرير والحديد، وأنفذ إليهم شوكته الوحي سمها، وأطلع عليهم كتيبته البعيد همها، القاسط حكمها، معصبة بابنيه جابرٍ ومحمد، فلأول إطلال عسكره عليها هبت له ريح فتحها، وضحك في وجه بشر صبحها، فحل لأول وقته بحريمها، وتحكم في ظالمها ومظلومها، إلا فرقةً من السودان المغاربة لاذوا بذروة قصبتها وهي بحيث ينشأ تحتها الدجن، ويعجز دون مرامها الظن، إنافة مكان، وإطالة بنيان؛ وقد كان أهل مالقة أشاروا على ابني المعتضد، حين خلوا بينهما وبين البلد، بإذكاء العيون، وإساءة الظنون، وضبط ما حولها من المعاقل والحصون، فغفلا، واستصرخ السودان المغاربة أميرهم باديس فلباهم بزخرة من تياره، وأقبسهم شرارة من ناره، فلم يرع ابني عباد، إلا صهيل الجياد، وتداعي الأجناد، بشعار الجلاد، فلم تر إلا أسيراً أو قتيلاً، أو فازعاً إلى الفرار ما وجد إليه سبيلاً، وامتلأت أيدي الباديسيين من السلاح والكراع، ورفلوا بين خيار البز وفاخر المتاع، ولجأ ابنا عباد إلى رندة وقد انغمسا في عارها، وصليا بنارها، ورأيا وجه الموت في لمعان أسنتها وشفارها، ومن ثم خاطب المعتمد أباه بالشعر المتقدم الذكر، وقد أخفر ذممه، ونذر دمه، ولولا أنه استجار - زعموا - يومئذ برجلٍ من العباد كان هنالك لتبت يداه، ولحق إسماعيل أخاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>