للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الله صلى الله عليه وسلم من يتسلل خفية إلى المدينة لئلا يناله اضطهاد، ومنهم من يكتم إيمانه، ويخفي إسلامه، ليتمكن من الهجرة بدون أن يمسوا بعذاب، ومنهم قوي شجاع يظهر إيمانه وهجرته ولا يبالي بما يناله من الأذى وأليم العقاب، وهؤلاء جميعا لهم من الله فضل كبير وثواب عظيم.

وبقي بمكة لم يهاجر فريقان، فريق كان أهله وماله ووطنه وقرابته أحب إليه من الله ورسوله وجهاد في سبيله، فأخلد إلى المقام بمكة بين المشركين، وقعد عن الهجرة لنصرة المسلمين، وعاش بين المشركين يكثر سوادهم، ولا يستطيع أن يقوم بما يطلبه الدين منه على وجهه، وفريق كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ولكنه ضعيف مستضعف، لا يقدرون على الأذى الذي ينالهم من المشركين، ولا يستطيعون إلى الهجرة حيلة، ولا يهتدون سبيلا، فأنزل الله في هذين الفريقين {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} (النساء: من الآية٩٧) .

يتوعد الفريق الأول بجهنم وبئس المصير، ويعذر الفريق الثاني، وأنه لا لوم عليه ولا تقصير.

والمعنى: (إن الذين توفاهم الملائكة) أي تقبض أرواحهم عند حضور آجالهم (ظالمي أنفسهم) بالمقام مع الكفار، والإخلال بشعائر الدين، وترك الهجرة إلى المسلمين، وتكثير سواد المشركين عليهم يوم بدر، على ما روى البخاري عن ابن عباس: أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأتي السهم يرمى به فيصيب أحدهم فيقتله، أو يضرب فيقتل، فأنزل الله تعالى الآية..

وأخرج الطبراني عن ابن عباس أنه كان قوم بمكة قد أسلموا، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم كرهوا أن يهاجروا وخافوا، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية (قالوا فيم كنتم) قالت لهم الملائكة عند قبض أرواحهم موبخين لهم على ما كان منهم: فيم كنتم، أي في أي شيء كنتم من أمر دينكم، يعنون بذلك أنهم لم يكونوا على شيء منه، وإلا لهاجروا لنصرته، وإقامة شعائره، وتلقي أحكامه، ولم يقيموا بين المشركين يكثرون سوادهم على المؤمنين، ويظاهرونهم عليهم (قالوا) أي الظالمون أنفسهم للملائكة معتذرين عما كان منهم (كنا مستضعفين في الأرض) أي لم نكن على شيء من ديننا لاستضعاف الكفار لنا بمالهم من الحمل والطول، فكانوا يرغموننا على ما فعلنا.

فرد الملائكة هذا العذر عليهم و {قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} (النساء: من الآية٩٧) أي كان لكم مندوحة عما فعلتموه مكرهين، بمفارقة أرضهم إلى أرض أخرى، تستطيعون فيها

<<  <   >  >>