للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلت: هذا الحديث يدل على أن خروج الريح من الدبر في الصلاة مفسد لها، وأن المصلي إذا خرج منه ريح يجب عليه قطع الصلاة فورا، ويحرم عليه الاستمرار فيها، لكونه على غير طهارة، ولا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ.

ولما كان خروج الريح أمراً يستحى منه، ويعرض صاحبه لغمز الناس وقالتهم، لاسيما إذا حصل منه أثناء صلاة الجماعة، لذلك أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى مخلص حسن وحيلة لطيفة، وهو أن ينصرف من الصلاة واضعاً يده على أنفه ليوهم الناس أن به رعافا ومن أجله خرج من الصلاة، وذلك حتى لا يأخذه الخجل ويسول له الشيطان المضي في صلاته استحياء من الناس فيأثم مع بطلان صلاته.

ولا يدخل هذا في باب الكذب أو الرياء، وإنما هو من باب الأدب في ستر العورة، وإخفاء القبيح، والتورية عنه بأحسن المعاريض الفعلية وألطفها، وحفظ عرضه من الناس والسلامة من قالتهم.

٣- عن سويد بن حنظلة قال: " خرجنا نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر فأخذه عدو له، فتحرج القوم أن يحلفوا، وحلفت أنه أخي فَخُلِّي عنه، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: أنت أبرهم وأصدقهم، صدقت: المسلم أخو المسلم "١.

٤- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: " أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وهو مردف أبا بكر، وأبو بكر شيخ كبير يعرف، ونبي الله صلى الله عليه وسلم شاب لا يعرف، قال: فيلقى الرجل أبا بكر فيقول: يا أبا بكر من هذا الرجل الذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرجل يهديني السبيل "٢.

هذان الحديثان من المعاريض القولية، فالتعريض كلام له وجهان ظاهر وباطن، والذي حصل من سويد بن حنظلة وأبي بكر رضي الله عنهما من هذا القبيل، وهو نوع من الحيل التي يترتب عليها صون الدماء وعزة الإسلام وبيان ذلك:

أن قول سويد: " هو أخي " له وجهان، ظاهر وهو أخوة النسب وهي التي فهمها السامع، ومن أجلها ترك وائل بن حجر رضي الله عنه، ووجه باطن هو أخوة الإسلام وهي التي خفيت على السامع وقصدها القائل وحلف عليها، ومن هنا حصل البر في يمينه.

فإن قلت: أليس حديث حنظلة هذا مخالفاً لما رواه مسلم وغيره عن أبي هريرة مرفوعاً: " يمينك على ما يصدقك به صاحبك " وفي رواية: " اليمن على نية المستحلف " وهنا


١ سنن أبي داود جـ٣ ص ٢٢٤.
٢ صحيح البخاري جـ٥ ص ٦٩.

<<  <   >  >>