للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن أغرب ما يذكر هنا أن هذا المعجم هو من أكبر مواد الجبرتي في تاريخه، فلو شئت أن تقول إن جميع تراجم العلماء من أهل القرن الثاني عشر التي فيه مأخوذة باللفظ من هذا المعجم لم يبعد حتى إنه ينقل قول السيد: حدثني فلان بلفظه ولا يتنبه، ويسوق الترجمة بنصها، ويكون السيد لم يذكر وفاته لكونه عاش بعده، فإذا جاء للوفاة غلط فيها وأخطأ، وهذا نظير ما وقع للعيني مع ابن دقماق في تاريخه، قال الحافظ ابن حجر في " إنباء الغمر ": " إن العيني يكتب من تاريخ ابن دقماق الورقة بعينها متوالية ويقلده فيما يَهِمُ فيه حتى في اللحن الظاهر مثل أخلعَ على فلان، وأعجبُ منه أن ابن دقماق يذكر في بعض الحوادث ما يدلّ على أنه شاهدها فيكتب البدر كلامه بعينه، وتكون تلك الحادثة وقعت بمصر وهو بعد في عينتاب "، اهـ. وإنما زاد الجبرتي بتراجم بعض الأمراء والقواد ورؤساء الأجناد وبعض اليهود، وبالجملة فنفسه في تراجم المشاهير ممن ترجم لهم الحافظ الزبيدي نفس المحدثين والمؤرخين، ولما انقطع ما كتبه السيد صار يكتب على غير تلك الطريقة، ومع ذلك قال في ترجمة خليل المرادي من تاريخه " عجائب الآثار ": " ان المعجم المذكور في نحو العشر كراريس " وهذا عجيب فإنه عندي في نحو الثلاثين كراسة، وهو أيضاً بخط السيد مرتضى في مجلدة كبيرة، قال: " ثم كانت الأوراق المذكورة غالب ما فيها من الآفاقيين من أهل المغرب والروم والشام والحجاز بل والسودان والذين ليس لهم شهرة وأهمل من يستحق أن يترجم " قلت: كوالده الشيخ حسن فإن السيد لم يترجمه رغماً عن كونه من مشايخه ولعل هذا الإهمال من السيد لأبيه هو الذي جرَّ عليه ذلك السيل الهادر من تعصب الجبرتي، وما عابه به من اعتنائه بتراجم الغرباء عجيب، وهل التاريخ يقتصر فيه على أهل بلد المؤلف لا لا، بل حيث ألفه فيمن لقيه أو كاتبه فعليه أن يذكر الآفاقي كما يذكر البلدي، واستفادتنا نحن بذكر الآفاقيين أعم وأفيد، ولله عاقبة الأمور، ومع أكْلِ الجبرتي لمعجم السيد هذا أكلاً لمّا، لم يكن يبقي ولا يذر قدحاً فيه ولمزاً، والحسد قتال، وعند الله تجتمع الخصوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>