للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قال: فيأتيهم الجبار على غير الصورة١ التي رأوه فيها أول مرة فيقول: أنا ربكم فيقولون: أنت ربنا. فلا يكلمه إلا الأنبياء فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه بها؟ فيقولون: (الساق) فيكشف عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن، ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمعة فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً ثم يؤتى بالجسر فيجعل بين ظهراني جهنم" الحديث.

فانطلاقاً من هذا الحديث الصحيح الذي يثبت لله ساقاً نرى أن الآية من آيات الصفات المفسرة بالسنة لأن الآية جاءت محتملة المعنى حيث جاء الساق مجرداً عن الإضافة المخصصة فجاءت السنة مبينة بأن المراد بالساق هو ساق الرحمن. فنسلك في إثبات الساق مسلك السلف الصالح الذي سلكناه من قبل، وهو إثبات بلا تمثيل ولا تشبيه، وتنزيه بلا تعطيل.

فالكلام في صفة الساق كالكلام في صفة اليد والوجه مثلاً. فكما أن اليد والوجه والقَدَمَ والبصر والعين صفات تليق به تعالى، وليست جوارح وأعضاء وأبعاضاً وأجزاء كصفاتنا بل هي صفات خبرية ثابتة ينتهي علمنا فيها عند المعنى العام دون تكلف لمعرفة كيفيتها، فكذلك الساق صفة لله ثابتة ثيوت تلك الصفات، وعلى غرارها إذ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} ، ولأن الكلام في الصفات الخبرية كالكلام في الصفات الذاتية يحتذي حذوه.

وأما الخلاف والنزاع الذي جرى بين الصحابة والتابعين فينبغي أن نعتبره منتهياً بعد ثبوت حديث أبي سعيد الخدري الذي نعده تفسيراً للآية المجملة، ثم نعده فيصلاً في هذه القضية. هذه هي طريقة أهل العلم قديماً وحديثاً، إذ لا يلتفتون إلى أقوال أهل العلم الاجتهادية وآرائهم بعد ثبوت السنة، ولا سيما إذا كانت السنة قد جاءت مفسرة أو مفصلة لما أجمل في القرآن وهذا ما نحن بصدده. وبالله التوفيق.


١ جاء في تفسير الصورة عدة أقوال، ولكن الذي يميل إليه أهل الحديث أن المراد بالصورة الصفات أي يتجلى لهم بصفات غير الصفات التي تجلى لهم بها أول مرة، ويستدل ابن قتيبة بهذا الحديث على إثبات الصورة لله، ولكنها ليست كالصور، تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص: ٢١٧-٢٢١.
أما الحديث فمتفق عليه، ذكره البخاري في كتاب التوحيد، فتح الباري ١٧/١٩٩.

<<  <   >  >>