للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أوصاف الجنة والنار، وذلك من الأمور الغيبية التي أطلع الله عليها نبيه عليه الصلاة والسلام، ولا سبيل للإنسان العادي أن يقول فيها قولاً اجتهاداً أو استحساناً.

ومما أخبر الرسول هنا ما نص عليه الحديث الآتي حيث يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: " لا يزال يلقى فيها -يعني النار- وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع فيها رب العالمين قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط قط بعزتك وكرمك" ١.

ففي مثل هذا المقام التوقيفي لا ينبغي للمرء الناصح لنفسه أن يحاول استخدام قوة عقله أو سلطان فلسفته أو ما ورثه من مشايخه ليقول في هذا النص النبوي قولاً يخالف قول المعصوم، فيفسر الحديث كما يريد ويستحسن، بل عليه أن يقول كما قال الإمام الشافعي: "آمنا بالله وبما جاء عن الله على مراد الله. وآمنا برسول الله، وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله عليه الصلاة والسلام"، وفي هذه الصفة (القَدَم) قد صح عنه الحديث السابق آنفاً الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه، فما علينا إلا التسليم لرسوله عليه الصلاة والسلام.

وقد ساق الإمام مسلم للحديث المذكور روايات كثيرة، وهو في الأصل متفق عليه وموضوع الحديث - على اختلاف راوياته وطرقه- المحاججة بين الجنة والنار، فالحديث الأول في الموضوع: حديث الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "تحاجّت النار والجنة فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين. وقالت الجنة: فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وعجزهم، فقال الله للجنة: أنت رحمتي


١ انظر: البخاري التوحيد ١٣/٤٣٤، ومسلم ٤/٢١٨٦-٢١٨٨، والصفات للدارقطني ١١/١٧.

<<  <   >  >>